الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (23)

{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ } عن الفواحش وعما قذفن به كغفلة عائشة عمّا فيها { الْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ } عُذبّوا { فِي الدُّنْيَا } بالجلد وفي الآخرة بالنار { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } واختلف العلماء في حكم الآية ، فقال قوم : هي لعائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر المؤمنات .

أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدَّثنا هارون بن محمد بن هارون قال : حدَّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدَّثنا هشام عن العوّام بن حوشب قال : حدّثنا شيخ من بني كاهل قال : فسّر ابن عباس سورة النور ، فلمّا أتى على هذه الآية { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِناتِ } إلى آخر الآية ، قال : هذه في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهي مبهمة ليس فيها توبة ، ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله سبحانه له توبة ، ثمَّ قرأ { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } الى قوله { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ } فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأُولئك توبة ، قال : فهّم رجل أن يقوم فيقبّل رأسه من حسن ما فسّره .

وقال آخرون : نزلت هذه الآية في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك كذلك حتى نزلت الآية التي في أول السورة { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } إلى { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأنزل الله له الجلد والتوبة ، فالتوبة تُقبل والشهادة تُرَد .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حيّان قال : حدّثنا إسحاق بن محمد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال : حدّثنا علي بن علي عن أبي حمزة الثمالي قال : بلغنا أنها نزلت في مشركي أهل مكة إذ كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فكانت المرأة إذا خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا : إنما خرجت تفجر .