فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (23)

{ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات } قد مرّ تفسير المحصنات ، وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حدّ القذف .

وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة ؟ فقال سعيد بن جبير : هي خاصة فيمن رمى عائشة رضي الله عنها . وقال مقاتل : هي خاصة بعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين . وقال الضحاك ، والكلبي : هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين والمؤمنات ، فمن قذف إحدى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فهو من أهل هذه الآية . قال الضحاك : ومن أحكام هذه الآية : أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم ، ومن قذف غيرهنّ فقد جعل الله له التوبة كما تقدّم في قوله : { إِلاَّ الذين تَابُواْ } [ النور : 5 ] . وقيل : إن هذه الآية خاصة بمن أصرّ على القذف ولم يتب ، وقيل : إنها تعم كلّ قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين ، واختاره النحاس ، وهو : الموافق لما قرّره أهل الأصول من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقيل : إنها خاصة بمشركي مكة ؛ لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة : إنما خرجت لتفجر . قال أهل العلم : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنون من القذفة ، فالمراد باللعنة الإبعاد ، وضرب الحدّ ، وهجر سائر المؤمنين لهم ، وزوالهم عن رتبة العدالة ، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين ، وإن كان المراد بها من قذف عائشة خاصة كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، وإن كانت في مشركي مكة فإنهم ملعونون { فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، والمراد بالغافلات اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهنّ ، ولا يفطنّ لها ، وفي ذلك من الدلالة على كمال النزاهة وطهارة الجيب ما لم يكن في المحصنات ، وقيل : هنّ السليمات الصدور النقيات القلوب .

/خ26