فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (23)

{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ } بالزنا { الْمُحْصَنَاتِ } العفائف قد مر تفسيرها ، وذكرنا أن الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حد القذف { الْغَافِلَاتِ } أي اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهن ولا يفطن لها ، وفي ذلك من الدلائل على كمال النزاهة ، وطهارة الجيب ما لم يكن في المحصنات ، وقيل : هنّ السليمات الصدور ، النقيات القلوب ، اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر ، لأنهن لم يجربن الأمور ، ولم يرزن الأحوال فلا يفطن لما تفطن له المجربات العرافات ، وكذلك البله من الرجال الذين غلبت عليهم سلامة الصدور ، وحسن الظن بالناس ، لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها ، وأقبلوا على آخرتهم فشغلوا نفوسهم بها .

{ الْمُؤْمِنَاتِ } بالله ورسوله ، وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة ، فقال سعيد بن جبير : هي خاصة فيمن رمى عائشة ، وقال مقاتل : هي خاصة بعبد الله بن أبي ، رأس المنافقين وقال الضحاك ، والكلبي : هي في عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين والمؤمنات ، فمن قذف إحدى أمهات المؤمنين فهو من أهل هذه الآية . قال الضحاك : ومن أحكام هذه الآية ، أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم ، ومن قذف غيرهن فقد جعل الله له التوبة ، كما تقدم في قوله { إلا الذين تابوا } ، وقيل إن هذه الآية خاصة بمن أصرّ على القذف ، ولم يتب ، وقيل إنها خاصة بمشركي مكة ، لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة إنما خرجت لتفجر .

{ وقيل إنها تعمّ كل قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين ، واختاره النحاس وهو الموافق لما قرره أهل الأصول ، من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال أهل العلم : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة في قوله : { لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } الإبعاد عن الثناء الحسن على ألسنة أهل الإيمان ، وضرب الحد ، وهجر سائر المؤمنين لهم ، وزوالهم عن رتبة العدالة ، واستيحاش أهل الإيمان منهم ، وإن كان المراد بها من قذف عائشة خاصة . كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، وإن كانت في مشركي مكة ، فإنهم ملعونون في الدنيا والآخرة .

{ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } على ذنب عظيم .