{ فَكُّ رَقَبَةٍ } . والمراد بفك الرقبة إعتاقها وتخليصها من الرق والعبودية . إذ الفك معناه : تخليص الشئ من الشئ . .
وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، جملة من الأحاديث التى وردت فى فضل عتق الرقاب ، وتحريرها من الرق . .
ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم " من أعتق رقبة مؤمنة ، أعتق الله بكل إِرْبِ منها - أى عضو منها - إربا منه من النار . . . " .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " ومن أعتق رقبة مؤمنة فهى فكاكه من النار . . " .
وقراءة الجمهور { فَكُّ رَقَبَةٍ } برفع " فك " وإضافته إلى " رقبة " .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى : " فك " بفتح الكاف على أنه فعل ماض ، ونصب لفظ " رقبة " على أنه مفعول به .
وقد ذهب جمع من المفسرين إلى أن المراد بفك الرقبة : أن يخلص الإِنسان نفسه من المعاصى والسيئات ، التى تكون سببا فى دخوله النار .
ثم فسر اقتحام العقبة بقوله { فك رقبة } وذلك أن التقدير وما أدراك ما اقتحام العقبة ؟ هذا على قراءة من قرأ «فكُّ رقبة » بالرفع على المصدر ، وأما من قرأ «فكّ » على الفعل الماضي ونصب الرقبة ، فليس يحتاج أن يقدر { وما أدراك } ما اقتحام ، بل يكون التعظيم للعقبة نفسها ، ويجيء «فكّ » بدلاً من { اقتحم } ومبيناً . وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة «فك رقبة أو إطعام » وقرأ أبو عمرو «فك رقبةً » بالنصب «أو أطعم » ، وقرأ بعض التابعين «فكِّ رقبة » بالخفض ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أيضاً والكسائي «فكِّ رقبة » بالنصب «أو إطعام » . وترتيب هذه القراءات ووجوهها بينة ، وفك الرقبة معناه : بالعتق من ربقة الأسر أو الرق ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار{[11836]} » . وقال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم : دلني على عمل أنجو به ، فقال : «لئن قصرت القول لقد عرضت المسألة فك رقبة ، وأعتق النسمة » ، فقال الأعرابي : أليس هما واحداً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها » .
قال القاضي أبو محمد : وكذلك فك الأسير إن شاء الله ، وفداؤه أن ينفرد الفادي به ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي : «وأبق على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق هذا كله ، فكف لسانك إلا من خير {[11837]} »
وقرأ نافع وابنُ عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر ويعقوب وخَلف ، { فك رقبة } برفع { فكُّ } وإضافتِه إلى { رقبة } ورفععِ { إطعام } عطفاً على { فكّ } .
وجملة : { فك رقبة } بيان للعقبة والتقدير : هي فكّ رقبة ، فحذف المسند إليه حذفاً لمتابعة الاستعمال . وتبيين العقبة بأنها : { فك رقبة أو إطعام } مبني على استعارة العقبة للأعمال الصالحة الشاقة على النفس . وقد علمت أن ذلك من تشبيه المعقول بالمحسوس ، فلا وجه لتقدير من قدَّر مضافاً فقال : أي وما أدراك ما اقتحام العقبة .
وقرأه ابن كثير وأبو عَمرو والكسائي { فَكَّ } بفتح الكاف على صيغة فعل المضي ، وبنصب { رقبةً } على المفعول ل { فكَّ } أو « أطعم » بدون ألف بعد عين { إطعام } على أنه فعل مضي عطفاً على { فَكَّ } ، فتكون جملة : { فكَّ رقبةً } بياناً لجملة { فلا اقتحم العقبة } وما بينهما اعتراضاً ، أو تكون بدلاً من جملة { اقتحم العقبة } أي فلا اقتحم العقبة ولا فكَّ رقبةً أو أطعم . وما بينهما اعتراض كما تقرر آنفاً .
والفك : أخذ الشيء من يد من احتاز به .
والرقبة مراد بها الإنسان ، من إطلاق اسم الجزء على كله مثل إطلاق رأس وعيننٍ ووجهٍ ، وإيثار لفظ الرقبة هنا لأن المراد ذات الأسير أو العبد وأول ما يخطر بذهن الناظر لواحد من هؤلاء . هو رقبته لأنه في الغالب يوثَق من رقبته .
وأطلق الفك على تخليص المأخوذ في أسْرٍ أو مِلْك ، لمشابهة تخليص الأمر العسير بالنزع من يد القابض الممتنع .
وهذه الآية أصل من أصول التشريع الإِسلامي وهو تشوُّف الشارع إلى الحرية وقد بسطنا القول في ذلك في كتاب « أصول النظام الاجتماعي في الإسلام » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.