المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

16- فابذلوا في تقوى الله جُهدكم وطاقتكم ، واسمعوا مواعظه وأطيعوا أوامره ، وأنفقوا مما رزقكم فيما أمر بالإنفاق فيه ، وافعلوا خيراً لأنفسكم ، ومَن يكفِهِ الله بخل نفسه وحرصها على المال فأولئك هم الفائزون بكل خير .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

{ 16-18 } { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

يأمر تعالى بتقواه ، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ويقيد{[1130]}  ذلك بالاستطاعة والقدرة .

فهذه الآية ، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد ، أنه يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض المأمور ، وعجز عن بعضه ، فإنه يأتي بما يقدر عليه ، ويسقط عنه ما يعجز عنه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " .

ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع ، ما لا يدخل تحت الحصر ، وقوله : { وَاسْمَعُوا } أي : اسمعوا ما يعظكم الله به ، وما يشرعه لكم من الأحكام ، واعلموا ذلك وانقادوا له { وَأَطِيعُوا } الله ورسوله في جميع أموركم ، { وَأَنْفِقُوا } من النفقات الشرعية الواجبة والمستحبة ، يكن ذلك الفعل منكم خيرًا لكم في الدنيا والآخرة ، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله تعالى وقبول نصائحه ، والانقياد لشرعه ، والشر كله ، في مخالفة ذلك .

ولكن ثم آفة تمنع كثيرًا من الناس ، من النفقة المأمور بها ، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس ، فإنها تشح بالمال ، وتحب وجوده ، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة .

فمن وقاه الله شر شح نفسه بأن سمحت نفسه بالإنفاق النافع لها { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } لأنهم أدركوا المطلوب ، ونجوا من المرهوب ، بل لعل ذلك ، شامل لكل ما أمر به العبد ، ونهي عنه ، فإنه إن كانت نفسه شحيحة . لا تنقاد لما أمرت به ، ولا تخرج ما قبلها ، لم يفلح ، بل خسر الدنيا والآخرة ، وإن كانت نفسه نفسًا سمحة ، مطمئنة ، منشرحة لشرع الله ، طالبة لمرضاة ، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به ، ووصول معرفته إليها ، والبصيرة بأنه مرض لله تعالى ، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز .


[1130]:- في ب: وقيد.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

والفاء فى قوله - سبحانه - : { اتقوا الله مَا استطعتم } للإفصاح والتفريع على ما تقدم .

و { مَا استطعتم } مصدرية ظرفية .

والمراد بالاستطاعة : نهاية الطاقة والجهد .

أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن المؤمن الصادق فى إيمانه هو الذى لا يشغله ماله أو ولده أو زوجه عن ذكر الله - تعالى - فابذلوا نهاية قدرتكم واستطاعتكم فى طاعة الله - تعالى - وداوموا على ذلك فى جميع الأوقات والأزمان .

وليس بين هذه الآية ، وبين قوله - تعالى - { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } تعارض ، لأن كلتا الآيتين تأمران المسلم بأن يبذل قصارى جهده ، ونهاية طاقته ، فى المواظبة على أداء ما كلفه الله به ، ولذلك فلا نرى ما يدعو إلى قول من قال : إن الآية التى معنا نسخت الآية التى تقول : { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } قال الآلوسى : أخرج ابن أبى حاتم عند سعيد بن جبير قال : لما نزلت : { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت أقدامهم . فأنزل الله هذه الآية { فاتقوا الله مَا استطعتم } تخفيفا على المسلمين .

وحذف متعلق التقوى ، لقصد التعميم ، أى : فاتقوا الله مدة استطاعتكم فى كل ما تأتون وما تذرون ، واعلموا أنه - تعالى - { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر } و

{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ } ومن الأحاديث التى وردت فى معنى الآية الكريمة ، ما رواه البخارى عن جابر بن عبد الله قال : " بايعت رسول الله - صلى الله - عليه وسلم - على السمع والطاعة ، فلقننى " فيما استطعت " " .

وعطف قوله - تعالى - { واسمعوا وَأَطِيعُواْ } على قوله { فاتقوا الله } من باب عطف الخاص على العام ، للاهتمام به .

أى : فاتقوا الله - تعالى - فى كل ما تأتون وما تذرون ، واسمعوا ما يبلغكم إياه رسولنا عنا سماع تدبر وتفكر ، وأطيعوه فى كل ما يأمركم به أو ينهاكم عنه .

{ وَأَنْفِقُواْ } مما رزقكم الله - تعالى - من خير ، يكن ذلك الإنفاق { خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } فى دنياكم وفى آخرتكم .

{ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } أى : ومن يستطع أن يبعد نفسه عن الشح والبخل .

{ فأولئك هُمُ المفلحون } أى : الفائزون فوزا تاما لا نقص معه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

قال قتادة وفريق من الناس : إن قوله : { فاتقوا الله ما استطعتم } ناسخ لقوله : { اتقوا الله حق تقاته }{[11145]} [ آل عمران : 102 ] ، وروي أن الأمر بحق التقاة نزل ، فشق ذلك على الناس حتى نزل : { ما استطعتم } ، وذهبت فرقة منهم أبو جعفر النحاس إلى أنه لا نسخ في الآيتين ، وأن قوله : { حق تقاته } [ آل عمران : 102 ] مقصده «فيما استطعتم » ، ولا يعقل{[11146]} أن يطيع أحد فوق طاقته واستطاعته ، فهذه على هذا التأويل مبينة لتلك ، وتحتمل هذه الآية أن يكون : { فاتقوا الله } مدة استطاعتكم التقوى ، وتكون : { ما } ظرفاً للزمان كله كأنه يقول : حياتكم وما دام العمل ممكناً ، وقوله : { خيراً } ذهب بعض النحاة إلى أنه نصب على الحال وفي ذلك ضعف ، وذهب آخرون منهم إلى أنه نصب بقوله : { وأنفقوا } قالوا والخبر هنا : المال ، وذهب فريق منهم إلى أنه نعت لمصدر محذوف ، تقديره : إنفاقاً { خيراً } ، ومذهب سيبويه : أنه نصب بإضمار فعل يدل عليه { أنفقوا } .

وقرأ أبو حيوة : «يوَقّ » بفتح الواو وشد القاف ، وقرأ أبو عمرو «شِح » بكسر الشين ، وقد تقدم القول في { شح } النفس ما هو في سورة الحشر . وقال الحسن : نظرك لامرأة لا تملكها شح ، وقيل : يا رسول الله : ما يدخل العبد النار ؟ قال : «شح مطاع ، وهوى متبع ، وجبن هالع ، وإعجاب المرء بنفسه ) ، ذكره النقاش{[11147]} ، والحديث في المصنفات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخويصة نفسك »{[11148]} .


[11145]:من الآية (102) من سورة (آل عمران).
[11146]:في بعض النسخ:"ولا يقصد".
[11147]:وأخرج البخاري في تاريخه، وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع)، ذكر ذلك السيوطي في "الجامع الصغير" ورمز له بأنه حديث حسن، وزاد في "الدر المنثور" نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن مردويه، والبيهقي.
[11148]:أخرجه الترمذي في التفسير، وأبو داود في الملاحم، وابن ماجه في الفتن.