المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

11- ما أصاب العبد من بلاء إلا بتقدير الله ، ومن يُصدِّق بالله يَهْدِ قلبه إلى الرضا بما كان ، والله بكل شيء تام العلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

{ 11-13 } { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

يقول تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } هذا عام لجميع المصائب ، في النفس ، والمال ، والولد ، والأحباب ، ونحوهم ، فجميع ما أصاب العباد ، فبقضاء الله وقدره ، قد سبق بذلك علم الله [ تعالى ] ، وجرى به قلمه ، ونفذت به مشيئته ، واقتضته حكمته ، والشأن كل الشأن ، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام ، أم لا يقوم بها ؟ فإن قام بها ، فله الثواب الجزيل ، والأجر الجميل ، في الدنيا والآخرة ، فإذا آمن أنها من عند الله ، فرضي بذلك ، وسلم لأمره ، هدى الله قلبه ، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب ، كما يجري لمن{[1118]}  لم يهد الله قلبه ، بل يرزقه الثبات عند ورودها{[1119]}  والقيام بموجب الصبر ، فيحصل له بذلك ثواب عاجل ، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب{[1120]}  كما قال تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وعلم من هذا أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب ، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره ، بل وقف مع مجرد الأسباب ، أنه يخذل ، ويكله الله إلى نفسه ، وإذا وكل العبد إلى نفسه ، فالنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد ، قبل عقوبة الآخرة ، على ما فرط في واجب الصبر . هذا ما يتعلق بقوله : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } في مقام المصائب الخاص ، وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي ، فإن الله أخبر أن كل من آمن أي : الإيمان المأمور به ، من{[1121]}  الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وصدق إيمانه بما يقتضيه الإيمان من القيام بلوازمه وواجباته ، أن هذا السبب الذي قام به العبد أكبر سبب لهداية الله له في أحواله وأقواله ، وأفعاله{[1122]}  وفي علمه وعمله .

وهذا أفضل جزاء يعطيه الله لأهل الإيمان ، كما قال تعالى في الأخبار : أن المؤمنين يثبتهم الله{[1123]}  في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

وأصل الثبات : ثبات القلب وصبره ، ويقينه عند ورود كل فتنة ، فقال : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبًا ، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات ، وذلك لما معهم من الإيمان .


[1118]:- في ب: ممن.
[1119]:- كذا في ب، وفي أ: عندها.
[1120]:- في ب: من الأجر العظيم.
[1121]:- في ب: وهو.
[1122]:في ب: في أقواله وأفعاله وجميع أحواله.
[1123]:- في ب: كما قال تعالى مخبرًا أنه يثبت المؤمنين.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

ثم بين - سبحانه - أن كل شىء بقضائه وقدره فقال : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } .

والمراد بالمصيبة : الرزية والنكبة ، وكل ما يسوء الإنسان فى نفسه أو ماله أو ولده . . . والمفعول محذوف ، و " من " للتأكيد ، و { مُّصِيبَةٍ } فاعل .

أى : ما أصاب أحدا مصيبة فى نفسه أو ماله أو ولده . . إلا بإذن الله - تعالى - وأمره وإرادته ، لأن كل شىء بقضائه - سبحانه - وقدره .

قال القرطبى : قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله - تعالى - عن المصائب .

فأنزل الله - تعالى - هذه الآية للرد على المشركين ، ولبيان أن كل شىء بإرادته - سبحانه - .

ثم بين - سبحانه - أن الإيمان الحق يعين على استقبال المصائب بصبر جميل فقال : { وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أى : ومن يؤمن بالله - تعالى - إيمانا حقا يهد قلبه إلى الصبر الجميل ، وإلى الاستسلام لقضائه - سبحانه - لأن إيمانه الصادق يجعله يعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، والله - تعالى - عليم بكل شىء ، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء .

قال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ } أى : ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره : فصبر واحتسب واستسلم لقضائه - تعالى - هدى الله قلبه ، وعوضه عما فاته من الدنيا .

وفى الحديث المتفق عليه : عجبا للمؤمن ، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

وقوله تعالى : { ما أصاب من مصيبة } يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا وخصها بالذكر بأنها الأهم على الناس والأبين أثراً في أنفسهم ، ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر ، وذلك أن الحكم واحد في أنها { بإذن الله } ، والإذن في هذا الموضع عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع ، وقوله تعالى : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قال فيه المفسرون المعنى : ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره ، وعلمه ، هانت عليه مصيبته وسلم الأمر لله تعالى . وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف : «نهد » بالنون ، وقرأ الضحاك : «يُهد قلبه » برفع الياء . وقرأ عكرمة وعمرو بن دينار : «يهدأ قلبه »{[11142]} برفع القلب ، وروي عن عكرمة أنه سكن بدل الهمزة ألفاً ، على معنى أن صاحب المصيبة يسلم فتسكن نفسه ، ويرشد الله المؤمن به إلى الصواب في الأمور . وقوله تعالى : { والله بكل شيء عليم } عموم مطلق على ظاهره .


[11142]:بفتح الياء وبهمزة ساكنة في آخر الفعل، من الهدوء، ذكر ذلك أبو حيان الأندلسي في "البحر المحيط".