{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات ، بسبب عبوديتهم لربهم وانقيادهم لأوامره أعانهم الله وعصمهم من الشيطان .
{ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ } فرضي بولايتك وطاعتك بدلا من طاعة الرحمن ، { مِنَ الْغَاوِينَ } والغاوي : ضد الراشد فهو الذي عرف الحق وتركه ، والضال : الذي تركه من غير علم منه به .
قال - تعالى - : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وكفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً } قال الآلوسى وقوله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ . . . } أى تصرف وتسلط ، والمراد بالعباد ؛ المشار إليهم بالمخلصين ، فالإِضافة للعهد والاستثناء على هذا في قوله { إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين } منقطع .
واختار هذا غير واحد . . . وجوز أن يكون بالعباد العموم والاستثناء متصل ، والكلام كالتقرير لقوله إلا عبادك منهم المخلصين ، ولذا لم يعطف على ما قبله ، وتغيير الوضع لتعظيم المخلصين ، بجعلهم هم الباقين بعد الاستثناء . . . .
وقوله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي : الذين قدرت لهم{[16161]} الهداية ، فلا سبيل لك عليهم ، ولا وصول لك إليهم ، { إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } استثناء منقطع .
وقد أورد ابن جَرير هاهنا من حديث عبد الله بن المبارك ، عن عبد الله بن موهب{[16162]} حدثنا يزيد بن قُسَيْط قال : كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجةً من قراهم ، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينا نبي في مسجده إذ جاء عدو الله - يعني : إبليس - حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . [ فقال عدو الله : أرأيت الذي تَعَوّذ منه ؟ فهو هو . فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]{[16163]} قال : فَردّد{[16164]} ذلك ثلاث مرات ، فقال عدو الله : أخبرني بأي شيء تنجو مني ؟ فقال النبي : بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم ؟ مرتين ، فأخذ كل [ واحد ]{[16165]} منهما على صاحبه ، فقال النبي : إن الله تعالى يقول : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } قال عدو الله : قد سمعت هذا قبل أن تولد . قال النبي : ويقول الله : { وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 200 ] وإني{[16166]} والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك . قال عدو الله : صدقت ، بهذا تنجو مني . فقال النبي : " أخبرني بأي شيء تغلبُ ابن آدم " ؟ قال : آخذه عند الغضب والهوى{[16167]}
وقوله : إنّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ يقول تعالى ذكره : إن عبادي ليس لك عليهم حجة ، إلا من اتبعك على ما دعوته إليه من الضلالة ممن غوى وهلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبيد الله بن موهب ، قال حدثنا يزيد بن قسيط ، قال : كانت الأنبياء لهم مساجد خارجة من قُراهم ، فإذا أراد النبيّ أن يستنبىء ربه عن شيء خرج إلى مسجده ، فصلى ما كتب الله له ثم سأل ما بدا له . فبينما نبيّ في مسجده ، إذا جاء عدوّ الله حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أعُوذُ بالله مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيمِ » فقال عدوّ الله : أرأيت الذي تعوّذ منه فهو هو فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أعُوذُ باللّهِ مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيمِ » فردّد ذلك ثلاث مرّات . فقال عدوّ الله : أخبرني بأيّ شيء تنجو مني ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «بَل أخْبِرْنِي بأيّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ ؟ » مرّتين . فأخذ كلّ واحد منهما على صاحبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ تَعَالى ذِكْرُهُ يَقُولُ إنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مِنَ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ قال عدوّ الله : قد سمعت هذا قبل أن تولد . قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «يقول اللّهُ تَعالى ذِكْرُهُ : وإمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللّهِ إنّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وإنّي واللّهِ ما أحْسَسْتُ بِكَ قَطّ إلاّ اسْتَعَذْتُ باللّهِ مِنْكَ » . فقال عدوّ الله : صدقت بهذا تنجو مني فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «فأخْبِرْنِي بأيّ شَيْءٍ تَغْلُبُ ابْنَ آدَمَ ؟ » قال : آخذه عند الغضب ، وعند الهوى .
{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتّبعك من الغاوين } تصديق لإبليس فيما استثناه وتغيير الوضع لتعظيم { المخلصين } ، ولأن المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشيطان عنهم ، أو تكذيب له فيما أوهم أن له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده ، فإن منتهى تزيينه التحريض والتدليس كما قال : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا ، وعلى الأول يدفع قول من شرط أن يكون المستثني أقل من الباقي لإفضائه إلى تناقض الاستثناءين .
إطلاق { الغاوين } من باب إطلاق اسم الفاعل على الحصول في المستقبل بالقرينة لأنه لو كان غاوياً بالفعل لم يكن لسلطان الشيطان عليه فائدة . وقد دلّ على هذا المعنى تعلّق نفي السلطان بجميع العباد ، ثم استثناء من كان غاوياً .
فلما كان سلطان الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاوياً علمنا أن ثمّة وصفاً بالغواية هو مهيَىءُ تسلطِ سلطان الشيطان على موصوفه . وذلك هو الموصوف بالغواية بالقوة لا بالفعل ، أي بالاستعداد للغواية لا بوقوعها .
فالإضافة في قوله تعالى : { عبادي } للعموم كما هو شأن الجمع المعرّف بالإضافة ، والاستثناء حقيقي ولا حَيرة في ذلك .