المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

2- والذين آمنوا وعملوا الصالحات وصدَّقوا بما أنزل على محمد وهو الحق من ربهم ، محا عنهم سيئاتهم ، وأصلح حالهم في الدين والدنيا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

وأما { وَالَّذِينَ آمَنُوا } بما أنزل الله على رسله عموما ، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا ، { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بأن قاموا بما عليهم من حقوق الله ، وحقوق العباد الواجبة والمستحبة .

{ كَفَّرَ } الله { عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } صغارها وكبارها ، وإذا كفرت سيئاتهم ، نجوا من عذاب الدنيا والآخرة . { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي : أصلح دينهم ودنياهم ، وقلوبهم وأعمالهم ، وأصلح ثوابهم ، بتنميته وتزكيته ، وأصلح جميع أحوالهم ، والسبب في ذلك أنهم :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أعده للمؤمنين من ثواب فقال : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } الأعمال { الصالحات } التى توافر فيها الإِخلاص والاتباع لهدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقوله : { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ } من باب عطف الخاص على العام ، فقد أفرده بالذكر مع أنه داخل فى الإِيمان والعمل الصالح ، للإِشارة إلى أنه شرط فى صحة الإِيمان ، وللإِشعار بسمو مكانه هذا المنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وبعلو قدره .

وقوله : { وَهُوَ الحق مِن رَّبِّهِمْ } جملة معترضة ، لتأكيد حقية هذا المنزل على النبى - صلى الله عليه وسلم - وتقرير كماله وصدقه . أى : وهذا المنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الحق الكائن من عند الله - تعالى - رب العالمين ، لا من عند أحد سواه .

وقوله : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } خبر الموصول ، أى : والذين آمنا وعملوا الأعمال الصالحة ، محا عنهم - سبحانه - ما عملوه من أعمال سيئة ، ولم يعاقبهم عليها ، فضلا منه وكرما .

فقوله : { كَفَّرَ } من الكَفْرِ بمعنى الستر والتغطية ، يقال : كفر الزراع زرعه إذا غطاه ، وستره حماية له مما يضره . به هنا : المحو والإِزالة على سبيل المجاز .

وقوله : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } معطوف على ما قبله . أى : محا عنهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح ، ما اقترفوه من سيئات ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات } ولم يكتف - سبحانه - بذلك ، بل وأصلح أحوالهم وأمورهم وشئونهم ، بأن وفقهم للتوبة الصادقة فى الدنيا ، وبأن منحهم الثواب الجزيل فى الآخرة .

فالمراد بالبال هنا : الحال والأمر والشأن .

قال القرطبى : والبال كالمصدر ، ولا يعرف منه فعل ، ولا تجمعه العرب إلا فى ضرورة الشعر ، فيقولون فيه بالات . .

وهذه الجملة الكريمة وهى قوله : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله - تعالى - إياها ، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب ، ممزق النفس ، مضطرب المشاعر والأحوال . أما الذى ينفعه فهو راحة البان . وطمأنينة النفس ، ورضا القلب ، والشعور بالأمان والسلام .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

وفي الجانب الآخر : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم ) . . والإيمان الأول يشمل الإيمان بما نزل على محمد . ولكن السياق يبرزه ويظهره ليصفه بصفته : ( وهو الحق من ربهم )ويؤكد هذا المعنى ويقرره . وإلى جوار الإيمان المستكن في الضمير ، العمل الظاهر في الحياة . وهو ثمرة الإيمان الدالة على وجوده وحيويته وانبعاثه .

وهؤلاء : ( كفر عنهم سيئاتهم ) . . في مقابل إبطال أعمال الذين كفروا ولو كانت حسنات في شكلها وظاهرها . وبينما يبطل العمل ولو كان صالحا من الكافرين ، فإن السيئة تغفر للمؤمنين . وهو تقابل تام مطلق يبرز قيمة الإيمان وقدره عند الله ، وفي حقيقة الحياة . .

( وأصلح بالهم ) . . وإصلاح البال نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في القدر والقيمة والأثر . والتعبير يلقي ظلال الطمأنينة والراحة والثقة والرضى والسلام . ومتى صلح البال ، استقام الشعور والتفكير ، واطمأن القلب والضمير ، وارتاحت المشاعر والأعصاب ، ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام . . وماذا بعد هذا من نعمة أو متاع ? ألا إنه الأفق المشرق الوضيء الرفاف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

وقرأ الناس : «نُزّل » بضم النون وشد الزاي . وقرأ الأعمش : «أنزل » معدى بالهمزة وقوله تعالى : { وأصلح بالهم } قال قتادة معناه : وأصلح حالهم . وقرأ ابن عباس «أمرهم » . وقال مجاهد : شأنهم .

وتحرير التفسير في اللفظة أنها بمعنى الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب ، فإذا صلح ذلك صلحت حاله ، فكأن اللفظة مشيرة إلى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع ، فقولك : خطر في بالي كذا ، وقولك : أصلح الله بالك : المراد بهما واحد ، ذكره المبرد . والبال : مصدر كالحال والشأن ، ولا يستعمل منها فعل ، وكذلك عرفه أن لا يثنى ولا يجمع ، وقد جاء مجموعاً لكنه شاذ ، فإنهم قالوا بالات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

هذا مقابل فريق الذين كفروا وهو فريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وإيراد الموصول وصلته للإيماء إلى وجه بناء الخبر وعلته ، أي لأجل إيمانهم الخ كفَّر عنهم سيئاتهم .

وقد جاء في مقابلة الأوصاف الثلاثة التي أثبتت للذين كفروا بثلاثة أوصاف ضدها للمسلمين وهي : الإيمان مقابل الكفر ، والإيمانُ بما نُزل على محمد صلى الله عليه وسلم مقابل الصد عن سبيل الله ، وعملُ الصالحات مقابل بعض ما تضمنه { أضل أعمالهم } [ محمد : 1 ] ، و { وكفّر عنهم سيئاتهم } مقابل بعض آخر مما تضمنه { أضلّ أعمالهم } ، { وأصلح بالهم } مقابل بقية ما تضمنه { أضل أعمالهم } . وزيد في جانب المؤمنين التنويه بشأن القرآن بالجملة المعترضة قوله : { وهو الحق من ربهم } وهو نظير لوصفه بسبيل الله في قوله : { وصدوا عن سبيل الله } [ محمد : 1 ] .

وعبر عن الجلالة هنا بوصف الربّ زيادة في التنويه بشأن المسلمين على نحو قوله : { وأن الكافرين لا مولى لهم } [ محمد : 11 ] فلذلك لم يقل : وصدّوا عن سبيل ربهم .

وتكفير السيئات غفرانها لهم فإنهم لما عملوا الصالحات كَفَّر الله عنهم سيئاتهم التي اقترفوها قبل الإيمان ، وكفر لهم الصغائر ، وكفر عنهم بعض الكبائر بمقدار يعلمه إذا كانت قليلة في جانب أعمالهم الصالحات كما قال تعالى : { خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً عسى الله أن يتوب عليهم } [ التوبة : 102 ] .

والبال : يطلق على القلب ، أي العقل وما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه ، قال امرؤ القيس :

فعادي عداء بين ثور ونعجة *** وكان عداء الوحش مِنّي على بال

وقال :

عليه القَتامُ سيء الظن والبال

ومنه قولهم : ما بالك ؟ أي ماذا ظننت حين فعلت كذا ، وقولهم : لا يبالي ، كأنه مشتق منه ، أي لا يخطر بباله ، ومنه بيت العُقيلي في الحماسة :

ونبكي حين نقتلكم عليكم *** ونقتلكم كأنَّا لا نُبالي

أي لا نفكر .

وحكى الأزهري عن جماعة من العلماء ، أي معنى لا أبالي : لا أكره اه . وأحسبهم أرادوا تفسير حاصل المعنى ولم يضبطوا تفسير معنى الكلمة .

ويطلق البال على الحال والقدر . وفي الحديث « كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر » قال الوزير البطليوسي في شرح ديوان امرىء القيس : قال أبو سعيد : كنت أقول للمعري : كيف أصبحت ؟ فيقول : بخير أصلح الله بَالك . ولم يوفه صاحب الأساس حقه من البيان وأدمجه في مادة ( بلو ) . وإصلاح البال يجمع إصلاح الأمور كلها لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه ، فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن ، ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك ، وحكاها عنهم القرآن في مواضع كثيرة والمعنى : أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحاً ولا يتدبرون إلا ناجحاً .