فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد } ظاهر هذا العموم ، فيدخل تحته كل مؤمن من المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، ولا يمنع من ذلك خصوص سببها ، فقد قيل : إنها نزلت في الأنصار قاله ابن عباس ، وقيل : في ناس من قريش ، وقيل في مؤمني أهل الكتاب ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . العامة على بناء نزل للمفعول مشددا ، وقرئ مبنيا للفاعل ، وهو الله وقرئ أنزل بالهمزة ونزل ثلاثيا ، والمراد به القرآن ، وهذا من عطف الخاص على العام .

ولا شك أن الإيمان بالقرآن المنزل على محمد من جملة أفراد ما يجب الإيمان به ، وخص سبحانه وتعالى الإيمان بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، بالذكر مع الدراجة تحت مطلق الإيمان المذكور قبله تنبيها على شرفه ، وعلو مكانه ، وإشعارا بأن الإيمان لا يتم دونه ، وأنه الأصل فيه ، ولذا أكده بقوله :

{ وهو الحق من ربهم } ومعنى كونه الحق أنه الناسخ لما قبله ، ولا ينسخ والجملة اعتراضية { كفر عنهم سيئاتهم } التي عملوها فيما مضى فإنه غفرها لهم بالإيمان والعمل الصالح { وأصلح بالهم } أي شأنهم قاله مجاهد ، وقال قتادة : حالهم وقيل : أمرهم ، والمعاني متقاربة ، قال المبرد : البال الحال ههنا ، وقيل : القلب وهو كالمصدر ، ولا يعرف منه فعل ولا تجمعه العرب إلا في ضرورة الشعر ، قال الجوهري : والبال أيضا رخاء العيش ، يقال فلان رخي البال ؛ والبال الحوت العظم من حيتان البحر وليس بعربي والبالة القارورة والجراب ووعاء الطيب وموضع بالحجاز ، وقيل والمعنى أنه عصمهم عن المعاصي في حياتهم ، وأرشدهم إلى أعمال الخير وليس المراد إصلاح حال دنياهم من إعطائهم المال ونحو ذلك ، وقال النقاش : إن المعنى أصلح نياتهم .