فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

ولما ذكر فريق الكافرين أتبعهم بذكر فريق المؤمنين ، فقال : { والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَءامَنُواْ بِمَا نُزّلَ على مُحَمَّدٍ } ظاهر هذا العموم ، فيدخل تحته كل مؤمن من المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، ولا يمنع من ذلك خصوص سببها ؛ فقد قيل : إنها نزلت في الأنصار ، وقيل : في ناس من قريش ، وقيل : في مؤمني أهل الكتاب ، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وخص سبحانه الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر مع اندراجه تحت مطلق الإيمان المذكور قبله تنبيهاً على شرفه وعلوّ مكانه ، وجملة : { وَهُوَ الحق مِن رَّبّهِمْ } معترضة بين المبتدأ ، وهو قوله : { والذين ءامَنُواْ } ، وبين خبره ، وهو قوله : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم } ومعنى كونه الحق : أنه الناسخ لما قبله ، وقوله : { مّن رَّبّهِم } في محل نصب على الحال ، ومعنى { كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم } أي السيئات التي عملوها فيما مضى فإنه غفرها لهم بالإيمان ، والعمل الصالح { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي شأنهم وحالهم . قال مجاهد : شأنهم ، وقال قتادة : حالهم . وقيل : أمرهم ، والمعاني متقاربة . قال المبرد : البال : الحال هاهنا . قيل والمعنى : أنه عصمهم عن المعاصي في حياتهم ، وأرشدهم إلى أعمال الخير ، وليس المراد إصلاح حال دنياهم من إعطائهم المال ، ونحو ذلك ، وقال النقاش : إن المعنى أصلح نياتهم ، ومنه قول الشاعر :

فإن تقبلي بالودّ أقبل بمثله *** وإن تدبري أذهب إلى حال باليا

/خ12