الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

وقوله : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } الآية : إشارةٌ إلى الأنصار الذين آووا ، ونصروا ، وفي الطائفتين نزلتِ الآيتان ؛ قاله ابن عباس ومجاهد ، ثم هي بَعْدُ تَعُمّ كُلَّ مَنْ دخل تحت ألفاظها .

وقوله : { أَضَلَّ أعمالهم } أيْ : أَتْلَفَهَا ، ولم يجعلْ لها نَفْعاً .

( ت ) : وقد ذكَرْنا في سورة «الصف » أنَّ اسم محمد صلى الله عليه وسلم لم يَتَسَمَّ به أحدٌ قبله إلاَّ قَوْمٌ قليلُونَ ، رجاءَ أَنْ تكونَ النُّبُوَّةُ في أبنائهم ، واللَّهُ أَعْلَمُ حيثُ يَجْعَلُ رسالاته ، قال ابن القَطَّانِ : وعن خَلِيفَةَ وَالِدِ أَبِي سُوَيْدٍ قال : سألْتُ محمَّدَ بْنَ عَدِيِّ بن أبي رَبِيعَةَ : كيف سَمَّاكَ أبوك محمَّداً ؟ قال : سأَلتُ أبي عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ ، فقال لي : كُنْتَ رَابِعَ أربعةٍ من بني غَنْمٍ أنا فيهم ، وسفيانُ بْنُ مُجَاشِعِ بْنِ جَرِيرٍ ، وأُمَامَةُ بْنُ هِنْدِ بْنِ خِنْدِف . ويزيدُ بنُ رَبِيعَةَ ، فخرجْنا في سَفْرَةٍ نُرِيدُ ابنَ جَفْنَةَ مَلِكَ غَسَّانَ ، فلما شارفنا الشام ، نزلنا على غَدِيرٍ فيه شجراتٌ ، وقُرْبَهُ شَخْصٌ نائمٌ ، فتحدَّثْنَا فاستمع كلاَمَنَا ، فَأَشْرَفَ علَيْنَا ، فقال : إنَّ هذه لُغَةٌ ، ما هي لغة هذه البلاد ، فقلنا : نَحْنُ قومٌ من مُضَرَ ، فقال : مِنْ أَيَّ المُضَرِيِّينَ ؟ قلنا : من خِنْدِف ، قال : إنَّهُ يُبْعَثُ فيكم خاتَمُ النبيِّين ، فَسَارِعُوا إلَيْه ، وخُذُوا بحظِّكُمْ منه تَرْشُدُوا ، قلنا : ما اسمه ؟ قال : محمَّد ، فَرَجَعْنَا ، فَوُلِدَ لِكُلِّ واحدٍ مِنَّا ابْنٌ سَمَّاه محمَّداً ، وذكره المدائني ، انتهى .

وقوله تعالى في المؤمنين : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } قال قتادة : معناه : حالهم ، وقال ابن عباس : شأنهم .

وتحريرُ التفسيرِ في اللفظة أَنَّها بمعنى الفِكْرِ والموضعِ الذي فيه نظرُ الإنْسَانِ ، وهو القلب ، فإذا صَلُحَ ذلك منه ، فقد صَلُحَ حالُهُ ، فكأَنَّ اللفظة مُشِيرَةٌ إلى صلاح عقيدتهم ، وغيرُ ذلك من الحال تَابِعٌ ، فقولك : خَطَرَ في بالي كذا ، وقولك : أصْلَحَ اللَّهُ بَالَكَ : المرادُ بهما واحدٌ ؛ ذكره المُبَرِّدُ ، والبَالُ : مصدر كالحال والشأن ، ولا يُسْتَعْمَلُ منه فِعْلٌ ، وكذلك عُرْفُهُ لا يثنى ولا يُجْمَعُ ، وقد جاء مجموعاً شاذًّا في قولهم : «بَالاَت » .

و{ الباطل } هنا : الشيطانُ ، وكُلُّ ما يأمر به ؛ قاله مجاهد ، و{ الحق } هنا : الشَّرْعُ ومحمَّد عليه السلام .