اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

قوله : { والذين آمَنُواْ } يجوز فيه الوجهان المتقدمان ، وتقدير الفعل : «رَحِمَ الَّذِينَ آمَنُوا » .

قوله : { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ } والعامة على بناء الفعل نزل للمفعول مشدداً ، وزيد بن علي وابنُ مِقْسِم نَزَّلَ مبنيًّا{[51189]} للفاعل وهو اللهُ ، والأعمش أُنْزِل بهمزة التعدية مبنياً للمفعول{[51190]} . وقرئ : نَزَلَ ثلاثياً مبنياً للفاعل{[51191]} . قال سفيان الثوري : لم يخالفوه في شيء . قال بان عباس : «الذين كفروا وصدوا » مشركُو مكَّةَ والذين آمنوا وعملوا الصالحات الأَنْصَارُ .

قوله : { وَهُوَ الحق } جملة معترضة بين المبتدأ والخبر المفسَّر والمفسِّر .

قوله : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } حالهم{[51192]} . وتقدم تفسير «البال » في طه{[51193]} . قال ابن عباس ( رضي الله عنه ) : معنى : أصلح ، أي عَصَمَهُمْ أيَّامَ حَيَاتِهِمْ يعني أن هذا الإصلاحَ يعود إلَى صلاح أعمالهم حتَّى لا يَعْصُوا .

فصل

قالت المعتزلة : تكفير السيئات مرتّب على الإيمان ، والعمل الصالح ، فمن آمن ولم يعمل صالحاً يبقى في العذاب خالداً .

والجواب : لو كان كما ذكرتم لكان الإضلال مرتباً على الكفر والصّد ، فمن يكفر لا ينبغي أن تضل أعماله . أو نقول : إن الله تعالى رتَّب أمرين فمن آمن كفر سيئاته ، ومن عمل صالحاً أصلح باله . أو نقول : أي مؤمنٍ يتصور غير آت بالصالحات بحيث لا يصدر عنه صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا طعام ، وعلى هذا فقوله : «وعَملُوا » من عطف المسببِ على السبب كقول القائل : أَكَلْتُ كَثِيراً وشَبِعْتُ .

فإن قيل : ما الحكمة في قوله : «وآمنوا بما نُزّل على محمد » مع أن قوله : «آمنوا وعلموا الصالحات » أفاد هذا المعنى ؟ .

فالجواب : من وجوه :

الأول : قوله : «الذين آمنوا » أي الله ورسوله ، واليوم الآخر ، وقوله : «آمَنُوا بِمَا نزل » أي بجميع الأشياء الواردة في كلام الله ورسوله تعميماً بعد أمور خاصة كقولنا : خلق الله السموات والأرض وكل شيء إما على معنى وكل شيء غير ما ذكرنا ، وإما على العموم بعد ذكر الخصوص .

والثاني : أن يكون المعنى آمنوا من قبل بما نزل على محمد «وهُوَ الحَقُّ » المعجز الفارق بين الكاذب والصادق يعني آمنوا أولاً بالمعجز ، وأيقنوا أن القرآن لا يأتي به غير الله فآمنوا وعلموا الصالحات والواو للجمع المطلق . ( و ) يجوز أن يكون المتأخر ذكراً متقدماً وقوعاً ، وهذا كقول القائل آمن به وكان الإيمان به واجباً ويكون بياناً لإيمانهم ، كأنه قال : آمنوا وآمنوا بما نزل على محمد أي آمنوا وآمنوا بالحق كقول القائل : خرجتُ وخرجت مصيباً أي وكان خروجي جيداً ، حيث نجوت من كذا أو ربحت كذا ، فكذلك لما قال آمنوا بين أن إيمانهم كان بما أمر الله وأنزل الله لا بما كان باطلاً من عند غير الله .

قوله : «ذلك » فيه وجهان :

أظهرهما : أنه مبتدأ والخبر الجار بعده{[51194]} .

الثاني : قال الزمخشري : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي الأمر ذلك بسبب كذا{[51195]} . فالجار في محلِّ نصب قال أبو حيان : ولا حاجة إليه{[51196]} .


[51189]:من القراءات الشاذة غير المتواترة انظر الكشاف 3/530 والبحر 8/73.
[51190]:قراءة كسابقتها في الشذوذ وانظر المرجعين السابقين.
[51191]:لم ترو أيضا في المتواتر ولم تنسب في كل من المرجعين السابقين.
[51192]:انظر هذه المعاني في القرطبي 16/224.
[51193]:عند قوله: {فما بال القرون الأولى} الآية 51.
[51194]:هذا رأي أبي حيان في البحر 8/73.
[51195]:الكشاف 3/530.
[51196]:البحر المحيط المرجع السابق.