تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

ثم فسر [ هذه ] العقبة{ فَكُّ رَقَبَةٍ } أي : فكها من الرق ، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها ، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

{ فَكُّ رَقَبَةٍ } . والمراد بفك الرقبة إعتاقها وتخليصها من الرق والعبودية . إذ الفك معناه : تخليص الشئ من الشئ . .

وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، جملة من الأحاديث التى وردت فى فضل عتق الرقاب ، وتحريرها من الرق . .

ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم " من أعتق رقبة مؤمنة ، أعتق الله بكل إِرْبِ منها - أى عضو منها - إربا منه من النار . . . " .

وقوله صلى الله عليه وسلم : " ومن أعتق رقبة مؤمنة فهى فكاكه من النار . . " .

وقراءة الجمهور { فَكُّ رَقَبَةٍ } برفع " فك " وإضافته إلى " رقبة " .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى : " فك " بفتح الكاف على أنه فعل ماض ، ونصب لفظ " رقبة " على أنه مفعول به .

وقد ذهب جمع من المفسرين إلى أن المراد بفك الرقبة : أن يخلص الإِنسان نفسه من المعاصى والسيئات ، التى تكون سببا فى دخوله النار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

وقد ورد أن فك الرقبة هو المشاركة في عتقها ، وأن العتق هو الاستقلال بهذا . . وأيا ما كان المقصود فالنتيجة الحاصلة واحدة .

وقد نزل هذا النص والإسلام في مكة محاصر ؛ وليست له دولة تقوم على شريعته . وكان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها . وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق . فلما أن أسلم بعضهم كعمار بن ياسر وأسرته ، وبلال بن رباح ، وصهيب . . وغيرهم - رضي الله عنهم جميعا - اشتد عليهم البلاء من سادتهم العتاة ، وأسلموهم إلى تعذيب لا يطاق . وبدا أن طريق الخلاص لهم هو تحريرهم بشرائهم من سادتهم القساة ، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - هو السابق كعادته دائما إلى التلبية والاستجابة في ثبات وطمأنينة واستقامة . .

قال ابن اسحاق : " وكان بلال مولى أبي بكر - رضي الله عنهما - لبعض بني جمح مولدا من مولديهم وكان صادق الإسلام ، طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ؛ ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى . فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد . . .

" حتى مر به أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يوما وهم يصنعون ذلك به - وكانت دار أبي بكر في بني جمح . فقال لأمية بن خلف ، ألا تتقي الله في هذا المسكين ? حتى متى ? قال : أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى . فقال أبو بكر : أفعل . عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك " أعطيكه به . قال : قد قبلت . قال : هو لك . فأعطاه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - غلامه ذلك وأخذه وأعتقه .

" ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب . بلال سابعهم : عامر بن فهيرة [ شهد بدرا وقتل يوم بئر معونة شهيدا ] وأم عبيس ، وزنيرة . [ وأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ! فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان . فرد الله بصرها ] وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول : والله لا أعتقكما أبدا . فقال أبو بكر - رضي الله عنه - حل يا أم فلان [ أي تحللي من يمينك ] فقالت : حل ! أنت أفسدتهما فأعتقهما . قال فبكم هما ? قالت : بكذا وكذا . قال : قد أخذتهما وهما حرتان . أرجعا إليها طحينها . قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ? قال : ذلك إن شئتما .

" ومر بجارية بني مؤمل - هي من بني عدي - وكانت مسلمة ، وكان عمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام - وهو يومئذ مشرك - وهو يضربها ، حتى إذا مل قال : إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة ! فتقول : كذلك فعل الله بك ! فابتاعها أبو بكر فأعتقها " .

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عبد الله بن أبي عتيق ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن بعض أهله ، قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا . فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك ! قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله . . . " . .

لقد كان - رضي الله عنه - يقتحم العقبة وهو يعتق هذه الرقاب العانية . . لله . . وكانت الملابسات الحاضرة في البيئة تجعل هذا العمل يذكر في مقدمة الخطوات والوثبات لاقتحام العقبة في سبيل الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

ثم فسر اقتحام العقبة بقوله { فك رقبة } وذلك أن التقدير وما أدراك ما اقتحام العقبة ؟ هذا على قراءة من قرأ «فكُّ رقبة » بالرفع على المصدر ، وأما من قرأ «فكّ » على الفعل الماضي ونصب الرقبة ، فليس يحتاج أن يقدر { وما أدراك } ما اقتحام ، بل يكون التعظيم للعقبة نفسها ، ويجيء «فكّ » بدلاً من { اقتحم } ومبيناً . وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة «فك رقبة أو إطعام » وقرأ أبو عمرو «فك رقبةً » بالنصب «أو أطعم » ، وقرأ بعض التابعين «فكِّ رقبة » بالخفض ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أيضاً والكسائي «فكِّ رقبة » بالنصب «أو إطعام » . وترتيب هذه القراءات ووجوهها بينة ، وفك الرقبة معناه : بالعتق من ربقة الأسر أو الرق ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار{[11836]} » . وقال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم : دلني على عمل أنجو به ، فقال : «لئن قصرت القول لقد عرضت المسألة فك رقبة ، وأعتق النسمة » ، فقال الأعرابي : أليس هما واحداً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها » .

قال القاضي أبو محمد : وكذلك فك الأسير إن شاء الله ، وفداؤه أن ينفرد الفادي به ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي : «وأبق على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق هذا كله ، فكف لسانك إلا من خير {[11837]} »


[11836]:أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري، ومسلم وابن مردويه، عن أبي هريرة وأخرج مثله ابن مردويه عن أبي نجيح السلمي. (الدر المنثور). وأبو نجيح هذا هو عمرو ابن عبسة السلمي رضي الله عنه.
[11837]:أخرجه أحمد، وابن حبان، وابن مردويه، والبيهقي، عن البراء، وفي الرواية التي ذكرها السيوطي في الدر المنثور (فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله : "وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ" ؟ يقول تعالى ذكره : وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة ؟ .

ثم بيّن جلّ ثناؤه له ، ما العقبة ، وما النجاة منها ، وما وجه اقتحامها ؟ فقال : اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ ، وأسر العبودة...

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء البصرة ، عن ابن أبي إسحاق ، ومن الكوفيين : الكسائي : «فَكَّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ » . وكان أبو عمرو بن العلاء يحتجّ فيما بلغني فيه بقوله : "ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا" كأن معناه : كان عنده ، فلا فكّ رقبة ، ولا أطعم ، ثم كان من الذين آمنوا . وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشأم "فَكُّ رَقَبَةٍ" على الإضافة "أوْ إطْعامٌ" على وجه المصدر .

والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، وتأويل مفهوم ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . فقراءته إذا قرئ على وجه الفعل تأويله : فلا اقتحم العقبة ، لا فكّ رقبة ، ولا أطعم ، ثم كان من الذين آمنوا ، وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ على التعجب والتعظيم . وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية ، لأن الإطعام اسم ، وقوله : "ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا" فعل ، والعرب تُؤْثِر ردّ الأسماء على الأسماء مثلها ، والأفعال على الأفعال ، ولو كان مجيء التّنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا ، كان أحسن ، وأشبه بالإطعام والفكّ من ثم كان ، ولذلك قلت : «فَكّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ » أوجه في العربية من الآخر ، وإن كان للآخر وجه معروف ، ووجهه أنْ تضمر أن ثم تلقى ... وإذا وُجّه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله : "فَكّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعامٌ" تفسيرا لقوله : "وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ" كأنه قيل : وما أدراك ما العقبة ؟ هي "فكّ رقبة أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ" كما قال جلّ ثناؤه : "وَما أدْرَاكَ ماهِيَهْ" ، ثم قال : "نارٌ حامِيَةٌ" مفسرا لقوله...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

فيه وجهان :

أحدهما : إخلاصها من الأسر .

الثاني : عتقها من الرق ، وسمي المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط من رقبته ، وسمي عتقاً فكها لأنه كفك الأسير من الأسر ....

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

والمعنى أن اقتحام العقبة هو الفك أو الإطعام ...

الفك: فرق يزيل المنع كفك القيد والغل ، وفك الرقبة فرق بينها وبين صفة الرق بإيجاب الحرية وإبطال العبودية ، ومنه فك الرهن وهو إزالة غلق الرهن ، وكل شيء أطلقته فقد فككته ، ومنه فك الكتاب....ويقال : كانت عادة العرب في الأسارى شد رقابهم وأيديهم فجرى ذلك فيهم وإن لم يشدد ، ثم سمي إطلاق الأسير فكاكا ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فك } أي الإنسان { رقبة } أي من الأسر أو الظلم أو الغرم أو السقم شكراً لمن أولاه الخير وتنفيساً للكربة حباً للمعالي والمكارم لا رياء وسمعة كما فعل هذا الظان الضال ولا لطمع في جزاء ولا لخوف من عناء...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقد ورد أن فك الرقبة هو المشاركة في عتقها ، وأن العتق هو الاستقلال بهذا . . وأيا ما كان المقصود فالنتيجة الحاصلة واحدة . وقد نزل هذا النص والإسلام في مكة محاصر ؛ وليست له دولة تقوم على شريعته . وكان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها . وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأطلق الفك على تخليص المأخوذ في أسْرٍ أو مِلْك ، لمشابهة تخليص الأمر العسير بالنزع من يد القابض الممتنع . وهذه الآية أصل من أصول التشريع الإِسلامي وهو تشوُّف الشارع إلى الحرية وقد بسطنا القول في ذلك في كتاب « أصول النظام الاجتماعي في الإسلام » .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أي تحريرها وعتقها لتعود إنساناً حرّاً يملك إرادته وحركته وكل شؤون حياته ، ما يوحي بأن مسألة حرية الإنسان من العبودية في إعتاقه من الرق ، تمثل مدخلاً لرضى الله ، لأن مسألة الاسترقاق في الإسلام لم تكن مسألةً اختارها الإسلام في شريعته كواقعٍ تشريعيٍّ يؤكد على استجابة الناس له ، في ما يريد لهم أن يأخذوا به ويسعوا إليه كأمرٍ محبوب لديه ، بل هي مسألة الواقع الذي عاش الإسلام في داخله من خلال التاريخ السحيق الذي أوجد للرقّ نظاماً وحشياً لا يتقيّد بأيّ خُلُقٍ إنسانيّ وأيّة عاطفةٍ روحيّةٍ ...