{ فَكُّ رَقَبَةٍ } . والمراد بفك الرقبة إعتاقها وتخليصها من الرق والعبودية . إذ الفك معناه : تخليص الشئ من الشئ . .
وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، جملة من الأحاديث التى وردت فى فضل عتق الرقاب ، وتحريرها من الرق . .
ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم " من أعتق رقبة مؤمنة ، أعتق الله بكل إِرْبِ منها - أى عضو منها - إربا منه من النار . . . " .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " ومن أعتق رقبة مؤمنة فهى فكاكه من النار . . " .
وقراءة الجمهور { فَكُّ رَقَبَةٍ } برفع " فك " وإضافته إلى " رقبة " .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى : " فك " بفتح الكاف على أنه فعل ماض ، ونصب لفظ " رقبة " على أنه مفعول به .
وقد ذهب جمع من المفسرين إلى أن المراد بفك الرقبة : أن يخلص الإِنسان نفسه من المعاصى والسيئات ، التى تكون سببا فى دخوله النار .
وقد ورد أن فك الرقبة هو المشاركة في عتقها ، وأن العتق هو الاستقلال بهذا . . وأيا ما كان المقصود فالنتيجة الحاصلة واحدة .
وقد نزل هذا النص والإسلام في مكة محاصر ؛ وليست له دولة تقوم على شريعته . وكان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها . وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق . فلما أن أسلم بعضهم كعمار بن ياسر وأسرته ، وبلال بن رباح ، وصهيب . . وغيرهم - رضي الله عنهم جميعا - اشتد عليهم البلاء من سادتهم العتاة ، وأسلموهم إلى تعذيب لا يطاق . وبدا أن طريق الخلاص لهم هو تحريرهم بشرائهم من سادتهم القساة ، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - هو السابق كعادته دائما إلى التلبية والاستجابة في ثبات وطمأنينة واستقامة . .
قال ابن اسحاق : " وكان بلال مولى أبي بكر - رضي الله عنهما - لبعض بني جمح مولدا من مولديهم وكان صادق الإسلام ، طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ؛ ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى . فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد . . .
" حتى مر به أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يوما وهم يصنعون ذلك به - وكانت دار أبي بكر في بني جمح . فقال لأمية بن خلف ، ألا تتقي الله في هذا المسكين ? حتى متى ? قال : أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى . فقال أبو بكر : أفعل . عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك " أعطيكه به . قال : قد قبلت . قال : هو لك . فأعطاه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - غلامه ذلك وأخذه وأعتقه .
" ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب . بلال سابعهم : عامر بن فهيرة [ شهد بدرا وقتل يوم بئر معونة شهيدا ] وأم عبيس ، وزنيرة . [ وأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ! فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان . فرد الله بصرها ] وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول : والله لا أعتقكما أبدا . فقال أبو بكر - رضي الله عنه - حل يا أم فلان [ أي تحللي من يمينك ] فقالت : حل ! أنت أفسدتهما فأعتقهما . قال فبكم هما ? قالت : بكذا وكذا . قال : قد أخذتهما وهما حرتان . أرجعا إليها طحينها . قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ? قال : ذلك إن شئتما .
" ومر بجارية بني مؤمل - هي من بني عدي - وكانت مسلمة ، وكان عمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام - وهو يومئذ مشرك - وهو يضربها ، حتى إذا مل قال : إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة ! فتقول : كذلك فعل الله بك ! فابتاعها أبو بكر فأعتقها " .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عبد الله بن أبي عتيق ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن بعض أهله ، قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا . فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك ! قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله . . . " . .
لقد كان - رضي الله عنه - يقتحم العقبة وهو يعتق هذه الرقاب العانية . . لله . . وكانت الملابسات الحاضرة في البيئة تجعل هذا العمل يذكر في مقدمة الخطوات والوثبات لاقتحام العقبة في سبيل الله .
فلا أقتحم العقبة أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة وهو الدخول في أمر شديد و العقبة الطريق في الجبل استعارها بما فسرها عز وجل من الفلك والإطعام في قوله وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة لما فيهما من مجاهدة النفس ولتعدد المراد بها حسن وقوع لا موقع لم فإنها لا تكاد تقع إلا مكررة إذ المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيما أو مسكينا والمسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب وترب إذا افتقر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي فك رقبة أو أطعم على الإبدال من اقتحم وقوله تعالى وما أدراك ما العقبة اعترض معناه إنك لم تدركنه صعوبتها وثوابها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.