ولهذا قال : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } فيذوقون حرها ، ويشتد عليهم أمرها ، ويتحسرون على ما أسلفوا .
{ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ } فسلمنا من هذا العذاب ، واستحققنا ، كالمطيعين ، جزيل الثواب . ولكن أمنية فات وقتها ، فلم تفدهم إلا حسرة وندمًا ، وهمًا ، وغمًا ، وألمًا .
ثم بين - سبحانه - حسراتهم عندما يحل بهم العذاب فى الآخرة فقال : { يوم تقلب وجوههم فى النار ، يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا } .
و { يَوْمَ } ظرف لعدم الوجدان لمن يدافع عنهم أو ينصرهم أى : لا يجدون من يدفع عنهم العذاب : يوم تقلب وجوههم فى النار تارة إلى جهة ، وتارة إلى جهة أخرى ، كما يقلب اللحم عند شوائه .
وحينئذ يقولون على سبيل التحسر والتفجع : يا ليتنا أطعنا الله - تعالى - فيما أمرنا به ، وأطعنا رسوله فيما جاءنا به من عند ربه .
قال صاحب الكشاف : وقوله : { تُقَلَّبُ } بمعنى تتقلب ، ومعنى تقليبها : تصريفها فى الجهات ، كما ترى البيضة تدور فى القدر إذا غلت ، فترامى بها الغليان من جهة إلى جهة .
أو تغييرها عن أحوالها وتحويلها عن هيئاتها ، أو طرحها فى النار مقلوبة منكوسة .
وخصت الوجوه بالذكر ، لأنه الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة .
أما مشهدهم في هذا العذاب فهو مشهد بائس أليم :
( يوم تقلب وجوههم في النار ) . .
والنار تغشاهم من كل جهة ، فالتعبير على هذا النحو يراد به تصوير الحركة وتجسيمها ، والحرص على أن تصل النار إلى كل صفحة من صفحات وجوههم زيادة في النكال !
( يقولون : يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) . .
وهي أمنية ضائعة ، لا موضع لها ولا استجابة ، فقد فات الأوان . إنما هي الحسرة على ما كان !
ثم قال : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا } أي : يسحبون في النار على وجوههم ، وتلوى وجوههم على جهنم ، يقولون وهم كذلك ، يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول ، كما أخبر الله عنهم في حال العرصات بقوله : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا } [ الفرقان : 27 - 29 ] ، وقال تعالى : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } [ الحجر : 2 ] ، وهكذا أخبر عنهم في حالتهم{[24055]} هذه أنهم يودون أن لو كانوا أطاعوا الله ، وأطاعوا الرسول في الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.