{ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ْ } بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك . { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ْ } أي جعلا { عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ْ } ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان السد ، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه ، فبذلوا له أجرة ، ليفعل ذلك ، وذكروا له السبب الداعي ، وهو : إفسادهم في الأرض ، فلم يكن ذو القرنين ذا طمع ، ولا رغبة في الدنيا ، ولا تاركا لإصلاح أحوال الرعية ، بل كان قصده الإصلاح ، فلذلك أجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة ، ولم يأخذ منهم أجرة ، وشكر ربه على تمكينه واقتداره ، فقال لهم : { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ْ } .
{ قالوا } أى : هؤلاء القوم لذى القرنين : { ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض } .
ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان ، قيل : مأخوذان من الأوجة وهى الاختلاط أو شدة الحر : وقيل : من الأوج وهو سرعة الجرى .
واختلف فى نسبهم ، فقيل : هم من ولد يافث بن نوح والترك منهم . وقيل : يأجوج من الترك ، ومأجوج من الديلم .
أى : قال هؤلاء القوم - الذين لا يكادون يفقهون قولا - لذى القرنين ، بعد أن توسموا فيه القوة والصلاح . . يا ذا القرنين إن قبيلة يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض بشتى أنواع الفساد والنهب والسلب .
وفى الصحيحين من حديث زينب بنت جحش - رضى الله عنها - قالت : " استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " ، وحلق - بين أصابعه - قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث " .
وقوله - تعالى - { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } حكاية لما عرضه هؤلاء القوم على ذى القرنين من عروض تدل على ثقتهم فيه وحسن أدبهم معه ، حيث خاطبوه بصيغة الاستفهام الدالة على أنهم يفوضون الأمر إليه .
والخَرْج : اسم لما يخرجه الإِنسان من ماله لغيره . وقرأ حمزة والكسائى خراجا : وهما بمعنى واحد ، وقيل الخرجة : الجزية . والخراج : اسم لما يخرجه عن الأرض .
أى : فهل نجعل لك مقدارا كبيرا من أموالنا على سبيل الأجر ، لكى تقيم بيننا وبين قبيلة يأجوج ومأجوج سدا يمنعهم من الوصول إلينا . ويحول بيننا وبينهم ؟
{ قالوا يا ذا القرنين } أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال " الذين من دونهم " . { إن يأجوج ومأجوج } قبيلتان من ولد يافث بن نوح ، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل . وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف . وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث . { مفسدون في الأرض } أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع . قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه ، وقيل كانوا يأكلون الناس . { فهل نجعل لك خرجا } نخرجه من أموالنا . وقرأ حمزة والكسائي " خراجاً " وكلاهما واحد كالنول والنوال . وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر . { على أن تجعل بيننا وبينهم سدّاً } يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم " السُّدَيْن " غير حمزة والكسائي .
والضمير في { قالوا } : للقوم الذين من دون السدين ، و { يأجوج ومأجوج } : قبيلتان من بني آدم لكنهم ينقسمون أنواعاً كثيرة ، اختلف الناس في عددها ، فاختصرت ذكره لعدم الصحة ، وفي خلقهم تشويه : منهم المفرط الطول ، ومنهم مفرط القصر ، على قدر الشبر ، وأقل ، وأكثر ، ومنهم صنف : عظام الآذان ، الأذن الواحدة وبرة والأخرى زعراء ، ُيَصِّيف بالواحدة ويشتو في الأخرى وهي تعمه ، واختلفت القراءة فقرأ عاصم وحده «يأجوج ومأجوج » بالهمز وقرأ الباقون : «ياجوج وماجوج » بغير همزة فأما من همز ، فاختلف : فقالت فرقة : هو أعجمي علتاه في منع الصرف : العجمة والتأنيث ، وقالت فرقة : هو معرب من أجج وأج ، علتاه في منع الصرف التعريف والتأنيث ، وأما من لم يهمز فإما أن يراهما اسمين أعجميين ، وإما أن يسهل من الهمز ، وقرأ رؤبة بن العجاج : «آجوج ومأجوج » بهمزة بدل الياء ، واختلف الناس في «إفسادهم » الذي وصفوهم به ، فقال سعيد بن عبد العزيز : «إفسادهم » : أكل بني آدم ، وقالت فرقة «إفسادهم » إنما عندهم توقعاً ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم ، وقالت فرقة : «إفسادهم » هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، وهذا أظهر الأقوال ، لأن الطائفة الشاكية إنما تشكت من ضرر قد نالها ، وقولهم { فهل نجعل لك خرجاً } استفهام على جهة حسن الأدب ، و «الخرج » : المجبي ، وهو الخراج ، وقال فوم : الخرج : المال يخرج مرة ، والخراج المجبي المتكرر ، فعرضوا عليه أن يجمعوا له أموالاً يقيم بها أمر السد ، قال ابن عباس { خرجاً } : أجراً وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم «خرجاً » وقرأ حمزة والكسائي «خراجاً » وهي قراءة طلحة بن مصرف والأعمش والحسن بخلاف عنه وروي في أمر { يأجوج ومأجوج } أن أرزاقهم هي من التنين يمطرونها ، ونحو هذا مما لم يصح ، وروي أيضاً أن الذكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف ، والأنثى لا تموت حتى تخرج من بطنها ألف ، فهم لذلك إذا بلغوا العدد ماتوا ، ويروى أنهم يتناكحون في الطرق كالبهائم ، وأخبارهم تضيق بها الصحف ، فاختصرتها لضعف صحتها .