القول في تأويل قوله تعالى : { فَتَوَلّىَ عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاّ تُحِبّونَ النّاصِحِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فأدبر صالح عنهم حين استعجلوه العذاب وعقروا ناقة الله خارجا عن أرضهم من بين أظهرهم لأن الله تعالى ذكره أوحى إليه : إني مهلكهم بعد ثلاثة . وقيل : إنه لم تهلك أمة ونبيها بين أظهرها ، فأخبر الله جلّ ثناؤه عن خروج صالح من بين قومه الذين عتوا على ربهم حين أراد الله إحلال عقوبته بهم ، فقال : فتولّى عنهم صالح ، وقال لقومه ثمود : لقد أبلغتكم رسالة ربي ، وأدّيت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم ربي من أمره ونهيه ، ونصحت لكم في أدائي رسالة الله إليكم في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الأوثان ، وَلَكِنْ لا تُحِبّونَ النّاصحِينَ لكم في الله الناهين لكم عن اتباع أهوائكم الصادّين لكم عن شهوات أنفسكم .
والفاء في قوله : { فتولى عنهم } عاطفة على جملة : { فعقروا الناقة } [ الأعراف : 77 ] والتّولي الانصراف عن فراق وغضب ، ويطلق مجازاً على عدم الاكتراث بالشّيء ، وهو هنا يحتمل أن يكون حقيقة فيكون المراد به أنّه فارقَ ديار قومه حين علم أنّ العذاب نازل بهم ، فيكون التّعقيب لقوله : { فعقروا الناقة } [ الأعراف : 77 ] لأن ظاهر تعقيب التّوليَ عنهم وخطابه إياهم أن لا يكون بعد أن تأخذهم الرّجفة وأصبحوا جاثمين .
ويحتمل أن يكون مجازاً بقرينة الخطاب أيضاً ، أي فأعرض عن النّظر إلى القرية بعد اصابتها بالصّاعقة ، أو فأعرض عن الحَزن عليهم واشتغل بالمؤمنين كما قال تعالى : { لعلّك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ] .
فعلى الوجه الأول يكون قوله : { يا قومِ لقد أبلغتكم } إلخ مستعملاً في التّوبيخ لهم والتّسجيل عليهم ، وعلى الوجه الثّاني يكون مستعملاً في التحَسر أو في التّبرىء منهم ، فيكون النّداء تَحسر فلا يقتضي كونَ أصحاب الاسم المنادَى ممّن يعقل النّداء حينئذ ، مثل ما تنادَى الحسرة في : يا حسرة .
وقوله : { لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم } تفسيره مثل تفسير قوله في قصّة نوح عليه السّلام : { أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم } [ الأعراف : 62 ] واللاّم في ( لقد ) لام القسم ، وتقدّم نظيره عند قوله : { لقد أرسلنا نوحاً } [ الأعراف : 59 ] .
والاستدراك ب ( لكن ) ناشىء عن قوله : { لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحتُ لكم } لأنّه مستعمل في التّبرُّؤ من التقصير في معالجة كفرهم ، سواء كان بحيث هم يسمعونه أم كان قاله في نفسه ، فذلك التّبرُّؤُ يؤذن بدفع توهّم تقصير في الإبلاغ والنّصيحة لإنعدام ظهور فائدة الابلاغ والنّصيحة ، فاستدرك بقوله : { ولكن لا تحبّون النّاصحين } ، أي تكرهون النّاصحين فلا تطيعونهم في نصحهم ، لأنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع ، فأراد بذلك الكناية عن رفضهم النّصيحة .
واستعمال المضارع في قوله : { لا تحبّون } إن كان في حال سماعهم قولَه فهو للدّلالة على التّجديد والتّكرير ، أي لم يزل هذا دأبَكم فيكون ذلك آخر علاج لإقلاعهم إن كانت فيهم بقيّه للإقلاع عمّا هم فيه ، وإن كان بعد انقضاء سماعهم فالمضارع لحكاية الحال الماضية مثلها في قوله تعالى : { والله الذي أرسل الرّياح فتثير سحاباً } [ فاطر : 9 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.