إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (79)

{ فتولّى عنهم } إثرَ ما شاهد ما جرى عليهم تولى مغتماً متحسّراً على ما فاتهم من الإيمان متحزناً عليهم { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم } بالترغيب والترهيبِ وبذلتُ فيكم وُسْعي ولكن لم تقبلوا مني ذلك وصيغةُ المضارع في قوله تعالى : { ولكن لا تحبون الناصحين } حكايةُ حالٍ ماضيةٍ أي شأنُكم الاستمرارُ على بغض الناصحين وعداوتِهم ، خاطبهم عليه الصلاة والسلام بذلك خطابَ رسولِ الله عليه الصلاة والسلام أهلَ قلَيبِ بدرٍ حيث قال : «إنا وجدْنا ما وعدنا ربُّنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ » وقيل : إنما تولى عنهم قبل نزولِ العذاب بهم عند مشاهدتِه عليه الصلاة والسلام لعلاماته تولى ذاهباً عنهم منكراً لإصرارهم على ما هم عليه . وروي أن عَقرَهم الناقةَ كان يوم الأربِعَاءِ ونزل بهم العذابُ يوم السبت ، وروي أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكي فالتفت فرأى الدخانَ ساطعاً فعلم أنهم قد هلَكوا وكانوا ألفاً وخمسَمائةِ دارٍ ، وروي أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارَهم .