[ 79 ] { فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ( 79 ) } .
{ فتولى } أي فأعرض صالح { عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي } المتضمنة لتخويف العذاب عنه { ونصحت لكم } فأمرتكم بكل خير ، ونهيتكم عن كل شر { ولكن لا تحبون الناصحين } أي من الرسل والأنبياء والعلماء لمخالفتهم أهويتكم . والظاهر أن صالحا عليه السلام كان مشاهدا لما جرى عليهم ، وأنه تولى عنهم ، بعد ما أبصرهم جاثمين ، تولي مغتم متحسر على ما فاته من إيمانهم ، يتحزن لهم بقوله : { يا قوم . . . } إلخ كذا في ( الكشاف ) ، أو خاطبهم خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر حيث قال{[4096]} : / " إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا " . – كما رواه البخاري- لا تحزنا ، ولكن إعلاما بنصر الله له ، وتحقيق رسالته ، في حزنهم وتوبيخهم ، فإن الأحياء ليسوا بأسمع منهم ، ولكن لا يتكلمون . كما في ( الصحيح ) . ويجوز عطف قوله { فتولى } على قوله : { فأخذتهم الرجفة } ، فيكون الخطاب لهم حين أشرفوا على الهلاك ، لا بعده . فيكون عليه السلام تولى عنهم تولى ذاهب عنهم ، منكر لإصرارهم حين رأى علامات نزول العذاب . والمتبادر الأول لظهور الفاء في التعقيب- والله أعلم- .
الأول : نأثر هنا ما رواه علماء التاريخ والنسب في بسط قصة ثمود . لمكان العظة والاعتبار مفصلا . وإلا ، فجلي أن ما أجمله التنزيل الكريم لا غاية وراءه في ذلك ، وما سكت عن بيانه من تلك القصص ، فلا حاجة إلى السعي وراءه لفقد القطع به ، اللهم إلا لزيادة الاتعاظ ، وتقوية العبرة ، ولذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال{[4097]} : " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " .
وخلاصة ما رووه عن ثمود أن عادا لما هلكت ، عمرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض ، وكانوا في سعة ورخاء من العيش ، فعتوا على الله ، وأفسدوا في الأرض ، وعبدوا الأوثان ، فبعث الله تعالى إليهم صالحا عليه السلام ، وكانوا قوما عربا ، وصالح من أوسطهم نسبا ، فدعاهم إلى عبادته تعالى وحده ، فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون ، فحذرهم وأنذرهم ، فسألوه آية ، واقترحوا عليه بأن يخرج لهم ناقة عشراء ، تمخض من صخرة صماء ، عينوها بأنفسهم ، وكانت صخرة منفردة في ناحية الجبل ، فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم ، قام صالح عليه السلام إلى صلاته ، ودعا الله عز وجل ، فتحركت تلك الصخرة ، / ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء ، يتحرك جنينها بين جنبيها ، كما سألوا . فعند ذلك آمن رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره ، وأراد بقية أشراف ثمود أن يؤمنوا ، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد ، والخباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صعمر بن جلمس ، وكان لجندع بن عمرو ابن عم له ، شهاب بن خليفة بن محلاة بن لبيد بن جواس ، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها ، فأراد أن يسلم أيضا فنهاه أولئك الرهط فأعطاهم ، فقال في ذلك رجل من مؤمني ثمود يقال له مهوش بن عنمة بن الزميل ، رحمه الله :
وكانت عصبة من آل عمرو***إلى دين النبي دعوا شهابا
عزيز ثمود كلهم جميعا***فهم بأن يجيب ولو أجابا
لأصبح صالح فينا عزيزا***وماعدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكن الغواة من آل حجر***تولوا بعد رشدهم ذبابا
وأقامت الناقة وفصيلها ، بعدما وضعته ، بين أظهرهم مدة ، تشرب من بئرها يوما ، وتدعه لهم يوما ، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها ، يحتلبونها فيملؤون ما شؤوا من أوعيتهم وأوانيهم ، كما قال في الآية الأخرى : { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ، كل شرب محتضر }{[4098]} وقال تعالى : { هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم }{[4099]} . وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ، ترد من فج ، وتصدر من غيره ، ليسعها . لأنها كانت تتضلع من الماء ، وكانت- على ما ذكر- خلقا هائلا ، ومنظرا رائعا ، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها . فلما طال عليهم ذلك ، واشتد تكذيبهم لصالح النبي عليه السلام ، عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم . فيقال إنهم اتفقوا كلهم على قتلها . قال قتادة : بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون لقتلها ، حتى على النساء في خدورهن . قال ابن كثير : قلت وهذا هو الظاهر لقوله تعالى : { فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها }{[4100]} ، / وقال { وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها }{[4101]} ، وقال : { فعقروا الناقة }{[4102]} . . فأسند ذلك إلى مجموع القبيلة ، فدل على رضى جميعهم بذلك- والله أعلم- .
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير{[4103]} ، وغيره من علماء التفسير ، أن سبب قتلها أن امرأة من ثمود يقال لها ( عنيزة بنت غنم بن مجلز ، تكنى بأم غنم ، وهي من بني عبيد بن المهل ، أخي رميل بن المهل ، وكانت امرأة ذؤاب بن عمرو ، وكانت عجوزا مسنة ، وكانت ذات بنات حسان ، وكانت ذات مال من إبل وبقر وغنم .
وامرأة أخرى يقال لها ( صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا ) سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول . وكان الوادي يقال له ( وادي المحيا ) وهو المحيا الأكبر ، جد المحيا الأصغر أبي صدوف .
وكانت صدوف من أحسن الناس ، وكانت غنية ذات مال من إبل وغنم وبقر .
وكانتا من أشد امرأتين في ثمود عداوة لصالح ، وأعظمه به كفرا .
وكانتا تحتالان أن تعقر الناقة مع كفرهما به ، لما أضرت به من مواشيهما .
وكانت صدوف عند ابن خال لها يقال له ( صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف ) من بني هلس ، فأسلم وحسن إسلامه .
وكانت صدوف قد فوضت إليه ماله ، فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح ، حتى رق المال .
/ فاطلعت على ذلك من إسلامه صدوف ، فعاتبته على ذلك ، فأظهر لها دينه ، ودعاها إلى الله وإلى الإسلام فأبت عليه وبيتت{[4104]} له . فأخذت بنيه وبناته منه فغيبتهم في بني عبيد ، بطنها الذي هي منه .
وكان صنتم زوجها من بني هليل ، وكان ابن خالها . فقال لها : ردّي ولدي . فقالت : حتى أنافرك إلى بني صنعان بن عبيد أو إلى بني جندع بن عبيد . فقال لها صنتم : بل أنافرك إلى بني مرداس بن عبيد . وذلك أن بني مرداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الإسلام وأبطأ عنه الآخرون .
فقالت لا أنافرك إلا إلى من دعوتك إليه .
فقال بنو مرداس : والله لتعطنّه ولده طائعة أو كارهة .
ثم إن صدوف وعنيزة محلتا{[4105]} في عقر الناقة للشقاء الذي نزل . فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له ( الحباب ) لعقر الناقة ، وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل فأبى عليها . فدعت ابن عم لها يقال له ( مصدع بن مهرج بن المحيا ) وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة . وكانت من أحسن الناس ، وكانت غنية كثيرة المال ، فأجابها إلى ذلك .
ودعت عنيزة بنت غنم ( قدار بن سالف بن جندع ) رجلا من أهل قرح .
وكان قدار رجلا أحمر أزرق قصيرا . يزعمون أنه كان لزنية ، من رجل يقال له ( صهياد ) ولم يكن لأبيه ( سالف ) الذي يدعى إليه . ولكنه قد ولد على فراش ( سالف ) كان يدعى له وينسب إليه .
فقالت : أعطيتك أي بناتي شئت ، على أن تعقر الناقة .
/ وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود ، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو ، من أشراف رجال ثمود . وكان قدرا عزيزا منيعا في قومه .
فانطلق قدار بن سالف ، ومصدع بن مهرج ، فاستنفرا غواة من ثمود . فاتبعهما سبعة نفر . فكانوا تسعة نفر . أحد النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له ، ( هويل بن مبلغ ) خال قدار بن سالف ، أخو أمه لأبيها وأمها ، وكان عزيزا في أهل حجر . و ( دعير بن غنم بن داعر ) وهو من بني خلاوة بن المهل .
و ( دأب بن مهرج ) أخو مصدع بن مهرج .
فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء ، وقد كمن لها قدار في أصل شجرة على طريقها ، وكمن لها مصدع من أصل أخرى . فمرت على مصدع فرماها بسهم ، فانتظم به عضلة ساقها .
وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها ، وكانت من أحسن الناس وجها ، فأسفرت لقدار وأرته إياه . ثم ذمرته{[4106]} فشد على الناقة بالسيف فخشف{[4107]} عرقوبها . فخرت ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها . ثم طعن في لبتها فنحرها .
انطلق سقبها حتى أتى جبلا منيفا . ثم أتى صخرة في رأس الجبل فزعا ولاذ بها . واسم الجبل فيما يزعمون ( صنو ) - فأتاهم صالح ، فلما رأى الناقة قد عقرت ، قال انتهكتم حرمة الله ، فأبشروا بعذاب الله تبارك وتعالى ونقمته . فاتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة ، وفيهم ( مصدع بن مهرج ) فرماه مصدع بسهم ، فانتظم قلبه ، ثم جر برجله فأنزله ، ثم ألقوا لحمه مع لحم أمه .
فلما قال لهم صالح : ابشروا بعذاب الله ونقمته ، قالوا له وهم يهزءون به : ومتى ذلك / يا صالح ؟ وما آية ذلك ؟- وكانوا يسمون الأيام فيهم : الأحد ( أول ) والإثنين ( أهون ) والثلاثاء ( وبار ) والأربعاء ( جبار ) والخميس ( مؤمن ) والجمعة ( العروبة ) والسبت ( شيار ) وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء- فقال لهم صالح حين قالوا له ذلك : تصبحون غداة يوم مؤمن ، يعني يوم الخميس ، ووجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ، يعني يوم الجمعة ، ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شيار ، يعني يوم السبت ، ووجوهكم مسودة . ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ، يعني يوم الأحد .
فلما قال لهم صالح ذلك ، قال التسعة الذين عقروا الناقة : هلم فلنقتل صالحا . إن كان صادقا عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبا يكون قد ألحقناه بناقته .
فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة . فلما أبطأوا على أصحابهم ، أتوا منزل صالح فوجدوهم مشدّخين قد رضخوا بالحجارة . فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ! ثم هموا به . فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح وقالوا لهم : والله لا تقتلونه أبدا ، فقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث ، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضبا ، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون !
فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك . والنفر الذين رضخهم الملائكة بالحجارة ، التسعة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله تعالى{[4108]} : { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون } إلى قوله : { لآية لقوم يعلمون } .
فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح ، وجوههم مصفرة ، فأيقنوا بالعذاب . وعرفوا أن صالحا قد صدقهم ، فطلبوه ليقتلوه . وخرج صالح هاربا منهم حتى لجأ إلى بطن من ثمود يقال لهم ( بنو غنم ) فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له ( نفيل ) يكنى بأبي هدب ، وهو مشرك ، فغيبه ، فلم يقدروا عليه .
/ فغدوا على أصحاب صالح فعذبوهم ليدلوهم عليه ، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له ( ميدع بن هرم ) : يا نبي الله ، إنهم يعذبوننا لندلهم عليك ، أفندلهم عليك ؟ قال : نعم . فدلهم عليه ( ميدع بن هرم ) .
فلما علموا بمكان صالح ، أتوا أبا هدب فكلموه فقال لهم : عندي صالح ، وليس لكم إليه سبيل . فأعرضوا عنه وتركوه . وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من عذابه .
فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس ، وذلك أن وجوههم أصبحت مصفرة ، ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرة ، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة . حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشام . فنزل رملة فلسطين وتخلف رجل من أصحابه يقال له ( ميدع بن هرم ) فنزل قرح- وهي وادي القرى ، وبين القُرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلا- فنزل على سيدهم رجل يقال له ( عمرو بن غنم ) وقد كان أكل من لحم الناقة ولم يشرك في قتلها . فقال له ميدع بن هرم : يا عمرو بن غنم ، أخرج من هذا البلد ، فإن صالحا قال : من أقام فيه هلك ، ومن خرج منه نجا .
فقال عمرو : ما شركت في عقرها ، وما رضيت ما صنع بها .
فلما كانت صبيحة الأحد ، أخذتهم الصيحة ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك . إلا جارية مقعدة يقال لها ( الزريعة ) وهي الكلبة ابنة السِّلْق . كانت كافرة شديدة العداوة لصالح ، فأطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذاب أجمع . فخرجت كأسرع ما يرى شيء قط . حتى أتت أهل قرح فأخبرتهم بما عاينت من العذاب وما أصاب ثمود منه ، ثم استسقت من الماء فسقيت ، فلما شربت ماتت .
الثاني : قال الرازي : زعم بعض الملحدين أن ألفاظ التنزيل في حكاية هذه الواقعة اختلفت ، وهي الرجفة والطاغية والصيحة . والجواب ما قاله أبو مسلم : إن الطاغية اسم لكل ما تجاوز حده ، سواء كان حيوانا أو غير حيوان ، وألحق الهاء به للمبالغة . فالمسلمون / يسمون الملك العاتي بالطاغية والطاغوت . وقال تعالى : { كلا إن الإنسان ليطغى ، أن رَّآه استغنى }{[4109]} . ويقال : طغى طغيانا ، وهو طاغ وطاغية . وقال تعالى : { كذبت ثمود بطغواها }{[4110]} وقال في غير الحيوان : { إنا لما طغا الماء }{[4111]} ، أي : غلب وتجاوز عن الحد . وأما الرجفة فهي الزلزلة في الأرض ، وهي حركة خارجة عن المعتاد ، فلم يبعد إطلاق اسم الطاغية عليها . وأما الصيحة ، فالغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة العظيمة الهائلة . وأما الصاعقة ، فالغالب أنها الزلزلة ، وكذلك الزجرة ، قال تعالى : { فإنما هي زجرة واحدة ، فإذا هم بالساهرة }{[4112]} . فبطل ما زعمه ذلك البعض .
الثالث : قال علماء التفسير : ولم يبق من ذرية ثمود أحد ، سوى صالح عليه السلام ، ومن تبعه رضي الله عنهم . إلا أن رجلا يقال له ابو رغال . كان ، لما وقعت النقمة بقومه ، مقيما إذ ذاك في الحرم ، فلم يصبه شيء ، فلما خرج في بعض الأيام إلى الحل ، جاءه حجر من السماء فقتله .
روى الإمام أحمد{[4113]} عن جابر قال : " لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح ، فكانت- يعني الناقة- ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم ، فعقروها ، وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها ، فأخذتهم صيحة أخمد الله مَن تحت أديم السماء منهم ، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فقالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : أبو رغال . فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " . قال ابن كثير : وهذا الحديث ليس في شيء من الكتب الستة ، وهو على شرط مسلم .
وروى عبد الرزاق عن معمر : أخبرني إسماعيل بن أمية : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رغال فقال : أتدرون من هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا قبر أبي رغال ، / رجل من ثمود ، كان في حرم الله ، فمنعه حرمُ الله عذابَ الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن ههنا ، ودفن معه غصن من ذهب ، فنزل القوم ، فابتدروه بأسيافهم ، فبحثوا عنه ، فاستخرجوا الغصن " .
و " أبو رغال هو أبو ثقيف الذين كانوا يسكنون الطائف " ، كما روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم- أخرجه أبو داود وغير{[4114]}ه .
الرابع : ذكرنا قبل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على ديار ثمود المعروفة الآن بمدافن صالح ، وهو ذاهب إلى غزوة تبوك ، سنة تسع ، وأمر أصحابه أن يدخلوا خاشعين وجلين أن يصيبهم ما أصاب أهلها ، ونهاهم أن يشربوا من مائها . فروى الإمام أحمد{[4115]} عن ابن عمر قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود ، فاستسقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ، ونصبوا القدور باللحم . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا ، وقال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فلا تدخلوا عليهم " .
وروى أحمد{[4116]} والبخاري{[4117]} ومسلم{[4118]} عن ابن عمر قال : " لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم . ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاز الوادي " .
/ وللبخاري{[4119]} : " أن رسول اله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من آبارها ولا يستقوا منها . فقالوا : قد عجنا منها ، واستقينا . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ذلك العجين ، ويهريقوا ذلك الماء " .
الخامس : قال ابن كثير : ذكر بعض المفسرين أن كل نبي هلكت أمته ، كان يذهب فيقيم في الحرم ، حرم مكة ، والله أعلم .
وقد قال الإمام أحمد{[4120]} : حدثنا وكيع ، حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال : " لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال : يا أبا بكر ! أيَّ واد هذا ؟ قال : هذا وادي عسفان . قال : لقد مر به هود وصالح على بَكَرَاتٍ حُمْرٍ خُطُمها الليف ، أزُرُهم العباء ، وأرديتهم النِّمَار ، يُلَبُّون ، يحجون البيت العتيق " . قال ابن كثير : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، لم يخرجه أحد منهم .