فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (79)

{ فتولى عنهم } صالح عند اليأس من إجابتهم وقيل بعد أن ماتوا وهلكوا { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } يحتمل أنه قال لهم هذه المقالة بعد موتهم على طريق الحكاية الماضية كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم من المتكلم لأهل قليب بدر بعد موتهم ، أو قالها لهم عند نزول العذاب بهم ، وكأنه كان مشاهدا لذلك فتحسر على ما فاتهم من الإيمان والسلامة من العذاب .

وقيل إنما خاطبهم بذلك ليكون عبرة لمن يأتي من بعدهم فينزجر عن مثل تلك الطريقة التي كانوا عليها ، ثم أبان عن نفسه أنه لم يأل جهدا في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح ، ولكن أبوا ذلك فلم يقبلوا منه فحق عليهم العذاب ونزل بهم ما كذبوا به واستعجلوه .

عن قتادة أن صالحا قال لهم حين عقروا الناقة : تمتعوا ثلاثة أيام ، ثم قال لهم : آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غدا مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، فأصبحت كذلك فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك فتكنفوا وتحنطوا ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم .

وأخرج أحمد من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالحجر : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم{[769]} وأصل الحديث في الصحيحين من غير وجه .

وفي لفظ لأحمد من هذا الحديث قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود ، قيل وكانت الفرقة المؤمنة من قوم صالح أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضر موت فلما دخلوها مات صالح فسمي حضر موت ، ثم بنوا أربعة آلاف مدينة وسموها حاضوراء ، وقال قوم توفي صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأقام في قومه عشرين سنة .


[769]:مسلم 2980 – البخاري 284.