السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (79)

{ فتولى } أي : أعرض صالح { عنهم } وفي هذا التولي قولان : أحدهما : أنه تولى عنهم بعد أن ماتوا وهلكوا ويدلّ عليه قوله تعالى : { فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم } والفاء للتعقيب فدلّ على أنه حصل هذا التولي بعد جثومهم وهو موتهم .

والقول الثاني : أنه تولى عنهم وهم أحياء قبل هلاكهم ويدلّ عليه أنه خاطبهم { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } وهذا الخطاب لا يليق إلا بالأحياء ، وعلى هذا القول يحتمل أنّ في الآية تقديماً وتأخيراً تقديره فتولى عنهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين . وأجيب من جهة الأوّل : بأنه خاطبهم بعد هلاكهم تقريعاً وتوبيخاً كما خاطب نبينا صلى الله عليه وسلم الكفار من قتلى بدر حين ألقوا في القليب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناديهم بأسمائهم الحديث في الصحيحين وفيه فقال عمر : يا رسول الله تكلم أمواتاً قد جيفوا ، فقال : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون ) وقيل : إنما خاطبهم صالح عليه السلام بذلك ليكون عبرة لمن يأتي من بعدهم فينزجروا عن مثل تلك الطريقة .

وروي أنّ عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء ونزل بهم العذاب يوم السبت ، وروي أنه خرج في مائة وعشرين من المسلمين وهو يبكي فالتفت فرأى الدخان ساطعاً فعلم أنهم قد هلكوا وكانوا ألفاً وخمسمائة دار ، وروي أنه رجع بمن معه من المسلمين فسكنوا ديارهم وقال قوم من أهل العلم : توفي صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأقام في قومه عشرين سنة .