المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

31- واذكر - أيها النبي - معاندة المشركين عندما كنت تقرأ عليهم آيات القرآن الكريم ، وهي آياتنا ، فيذهب بهم فرط الجهل والغرور إلى أن يقولوا : لو أردنا أن نقول مثل هذا القرآن لقلنا ، فما هو إلا ما سطره الأولون من قصص .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هََذَا إِنْ هََذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : وإذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آيات كتاب الله الواضحة لمن شرح الله صدره لفهمه قالوا جهلاً منهم وعنادا للحقّ وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم : لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا الذي تلي علينا ، إنْ هَذَا إلاّ أساطيرُ الأوّلِين : يعني أنهم يقولون ما هذا القرآن الذي يتلى عليهم إلاّ أساطير الأوّلين . والأساطير : جمع أسطر ، وهو جمع الجمع ، لأن واحد الأسطر : سطر ، ثم يجمع السطر : أسطر وسطور ، ثم يجمع الأسطر : أساطير وأساطر . وقد كان بعض أهل العربية يقول : واحد الأساطير : أسطورة .

وإنما عَنى المشركون بقولهم : إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأَوّلِينَ : إن هذا القرآن الذي تتلوه علينا يا محمد إلاّ ما سطر الأوّلون وكتبوه من أخبار الأمم . كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم ، وأنه لم يوحه الله إليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قوله : وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذَا قال : كان النضر بن الحرث يختلف تاجرا إلى فارس ، فيمرّ بالعباد وهم يقرءون الإنجيل ، ويركعون ويسجدون . فجاء مكة ، فوجد محمدا صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد ، فقال النضر : قد سمعنا ، لو نشاء لقلنا مثل هذا للذي سمع من العِباد . فنزلت : وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْل هذَا قال : فقصّ ربنا ما كانوا قالوا بمكة ، وقصّ قولهم : إذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ . . . الاَية .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كان النضر بن الحرث بن علقمة أخو بني عبد الدار يختلف إلى الحيرة ، فيسمع سجع أهلها وكلامهم . فلما قدم مكة ، سمع كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن ، فقال : قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِينَ : يقول : أساجيع أهل الحيرة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا : عقبةَ بن أبي معيط ، وطعيمة بن عديّ ، والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله قال المقداد : يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِي كِتابِ اللّهِ ما يَقُولُ » . فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتله . فقال المقداد : أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ أغْنِ المِقْدَاد مِنْ فَضْلِكَ » فقال المقداد : هذا الذي أردت . وفيه نزلت هذه الاَية : وَإذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا . . . الاَية .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرا المطعم بن عديّ ، والنضر بن الحرث ، وعقبة بن أبي معيط . قال : فلما أمر بقتل النضر ، قال المقداد بن الأسود : أسيري يا رسول الله قال : «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِي كِتابِ الله وفِي رَسُولِهِ ما كانَ يَقُولُ » . قال : فقال ذلك مرّتين أو ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ أغْنِ المِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ » وكان المقداد أسر النضر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

انتقال إلى ذكر بهتان آخر من حجاج هؤلاء المشركين ، لم تزل آيات هذه السورة يتخللها أخبار كفرهم من قوله : { ويقطع دابر الكافرين } [ الأنفال : 7 ] وقوله { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } [ الأنفال : 13 ] وقوله { فلَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم } [ الأنفال : 17 ] وقوله { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } [ الأنفال : 21 ] ثم بقوله { وإذ يمكر بك الذين كفروا } [ الأنفال : 30 ] .

وهذه الجمل عطف على جملة : { ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم } [ الأنفال : 23 ] .

وهذا القول مقالة المتصدين للطعن على الرسول صلى الله عليه وسلم ومحاجته ، والتشغيب عليه : منهم النضر بن الحارث ، وطُعمية بن عدي ، وعقبة بن أبي مُعَيْط .

ومعنى { قد سمعنا } : قد فهمنا ما تحتوي عليه ، لو نشاء لقلنا مثلها وإنما اهتموا بالقصص ولم يتَبيّنوا مغزاها ولا ما في القرآن من الآداب والحقائق ، فلذلك قال الله تعالى عنهم { كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } [ الأنفال : 21 ] أي لا يفقهون ما سمعوا .

ومن عجيب بهتانهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدّاهم بمعارضة سورة من القرآن ، فعجزوا عن ذلك وأفحموا ، ثم اعتذروا بأن ما في القرآن أساطير الأولين وأنهم قادرون على الإتيان بمثل ذلك قيل : قائِل ذلك هو النضر بن الحارث من بني عبد الدار ، كان رجلاً من مردة قريش ومن المستهزئين ، وكان كثيرَ الأسفار إلى الحِيره وإلى أطراف بلاد العجم في تجارته ، فكان يلقى بالحِيرة ناساً من العِبَاد ( بتخفيف الباء اسم طائفة من النصارى ) فيحدثونه من أخبار الإنجيل ويلقَى من العرب من ينقل أسطورة حروب ( رُسْتُم ) و ( أسْفندياذ ) {[244]} من مُلوك الفرس في قصصهم الخُرافي ، وإنما كانت تلك الأخبار تترجم للعرب باللسان ويستظهرها قصاصهم وأصحاب النوادر منهم ولم يذكر أحد أن تلك الأخبار كانت مكتوبة بالعربية ، فيما أحسب ، إلاّ ما وقع في « الكشاف » أن النضر بن الحارث جاء بنسخة من خبر ( رُستم ) و ( اسفندياذَ ) ولا يبعد أن يكون بعض تلك الأخبار مكتوباً بالعربية كتبها القصاصون من أهل الحِيرة والأنبار تذكرة لأنفسهم ، وإنما هي أخبار لا حكمة فيها ولا موعظة ، وقد أطال فيها الفردوسي في كتاب « الشاهنامه » تطويلاً مُملاً على عادة أهل القصص ، وقال الفخر : اشترى النضر من الحِيرة أحاديث كليلة ودمنة ، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم فيقرأ عليهم أساطير الأولين ، فإسناد قول النضر بن الحارث إلى جماعة المشركين : من حيث إنهم كانوا يؤيدونه ويَحكونه ويُحاكونه ، ويحسبون فيه معذرة لهم عن العجز الذي تلبسوا به في معارضة القرآن ، وأنه نفّس عليهم بهذه الأغلوطة ، فإذا كان الذي ابتكره هو النضر بن الحارث فليس يمتنع أن تصدر أمثال هذا القول من أمثاله وأتباعه ، فمن ضمنهم مجلسه الذي جاء فيه بهذه النزاقة .

وقولهم : { لو نشاء لقلنا مثل هذا } إيهام بأنهم ترفعوا عن معارضته ، وأنهم لو شاءوا لنقلوا من أساطير الأولين إلى العربية ما يوازي قصص القرآن وهذه وقاحة ، وإلاّ فما منعهم أن يشاءوا معارضة من تحداهم وقرعهم بالعجز بقوله : { فإنْ لم تفعلوا ولنْ تفعلوا } [ البقرة : 24 ] مع تحيزهم وتآمرهم في إيجاد معذرة يعتذرون بها عن القرآن وإعجازه إياهم وتحديه لهم ، وما قاله الوليد بن المغيرة في أمر القرآن .

و« الأساطير » جمع أسطورة بضم الهمزة وهي القصة ، وتقدم عند قوله تعالى : { حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } في سورة [ الأنعام : 25 ] .

والمخالفة بين شرط { لو } وجوابها إذ جعل شرطها مضارعاً والجزاء ماضياً جرى على الاستعمال في ( لو ) غالباً ، لأنها موضوعة للماضي فلزم أن يكون أحد جزَأيْ جملتها ماضياً ، أو كلاهما . فإذا أريد التفنن خولف بينهما ، فالتقدير : لو شئنا لقلنا ، ولا يبعد عندي في مثل هذا التركيب أن يكون احتباكاً قائماً مقام شرطين وجزاءين فإحدى الجملتين مستقبلة والأخرى ماضية ، فالتقدير لو نشاء أن نقول نقولُ ، ولو شئنا القول في الماضي لقلنا فيه ، فذلك أوعب للأزمان ، ويكون هذا هو الفرق بين قوله : { ولَوْ شئنا لآتينا كل نفسسٍ هداها } [ السجدة : 13 ] وقوله : { أنْ لَو يشاء الله لهدى الناس جميعاً } [ الرعد : 31 ] فهم لما قالوا : { لو نشاء لقلنا مثل هذا } ادعوا القدرة على قول مثله في الماضي وفي المستقبل إغراقاً في النفَاجة والوقاحة .


[244]:- سفندياز بهمزة قطع مكسورة، فسين مهملة ساكنة، ففاء أخت القاف وقد يكتب بباء موحدة عوض الفاء لأن الباء الفارسية منطقها بين الباء والفاء العربية فكثيرا ما تعرب بالفاء وبالباء وهي مفتوحة وبعضهم يضبطها بالكسر، ثم دال مهملة مكسورة فتحتية، وآخره معجمة كذا نطق به العرب وكذلك كتب في تفسير ابن عطية وهو في العجمية براء في آخره قاله التفتزاني في شرح الكشاف. قلت وهو في الكشاف وفي سيرة ابن هشام بالراء وهو اسفنديار بن ( كشتاسب) من العائلة الكيانيين من ملوك الفرس لأن أسماء ملوكها مفتتحة بكلمة ( كي) أولهم ( كيقباذ) وفي زمن ( كشتاسب) ظهر ( زرادشت) صاحب الديانة الشهيرة في الفرس قبل الإسلام، وأخبار حروب اسفنديار مع رستم وكلهم من ملوك الطوائف بفارس وكان رستم ملك بلاد الترك.