المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (18)

والذين اجتنبوا الأصنام والشياطين ، ولم يتقربوا إليها ، ورجعوا إلى الله في كل أمورهم ، لهم البشارة العظيمة في جميع المواطن ، فبشر - يا محمد - عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون الأحسن والأهدى إلى الحق ، أولئك - دون غيرهم - الذين يوفقهم الله إلى الهدى ، وأولئك هم - دون غيرهم - أصحاب العقول النَّيِّرة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (18)

وقوله : وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ : أي اجتنبوا عبادة كلّ ما عُبد من دون الله من شيء . وقد بيّنا معنى الطاغوت فيما مضى قبل بشواهد ذلك ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وذكرنا أنه في هذا الموضع : الشيطان ، وهو في هذا الموضع وغيره بمعنى واحد عندنا . ذكر من قال ما ذكرنا في هذا الموضع :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ قال : الشيطان .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها قال : الشيطان .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها قال : الشيطان هو هاهنا واحد وهي جماعة .

والطاغوت على قول ابن زيد هذا واحد مؤنث ، ولذلك قيل : أن يعبدوها . وقيل : إنما أُنثث لأنها في معنى جماعة .

وقوله : وأنابُوا إلى اللّهِ يقول : وتابوا إلى الله ورجعوا إلى الإقرار بتوحيده ، والعمل بطاعته ، والبراءة مما سواه من الاَلهة والأَنداد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأنابُوا إلى اللّهِ : وأقبلوا إلى الله .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : وأنابُوا إلى اللّهِ قال : أجابوا إليه .

وقوله : لَهُمُ البُشْرَى يقول : لهم البشرى في الدنيا بالجنة في الاَخرة فَبَشّرْ عِبادِ الّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين ، فيتبعون أرشده وأهداه ، وأدله على توحيد الله ، والعمل بطاعته ، ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد ، ولا يهدي إلى سداد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَيَتّبِعُونَ أحْسَنَهُ وأحسنه طاعة : الله .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : فَيَتّبِعُونَ أحْسَنَهُ قال : أحسن ما يؤمرون به فيعملون به .

وقوله : أُولَئِكَ الّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ يقول تعالى ذكره : الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، الذين هداهم الله ، يقول : وفقهم الله للرشاد وإصابة الصواب ، لا الذين يُعْرِضون عن سماع الحقّ ، ويعبدون ما لا يضرّ ، ولا ينفع . وقوله : أُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الألْبابِ يعني : أولو العقول والحجا .

وذُكر أن هذه الاَية نزلت في رهط معروفين وحّدوا الله ، وبرئوا من عبادة كل ما دون الله قبل أن يُبعث نبيّ الله ، فأنزل الله هذه الاَية على نبيه يمدحهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها . . . الاَيتين ، حدثني أبي أن هاتين الاَيتين نزلتا في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون : لا إله إلا الله : زيد بن عمرو ، وأبي ذرّ الغفاري ، وسلمان الفارسيّ ، نزل فيهم : وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها في جاهليتهم وأنابُوا إلى اللّهِ لَهُمُ البُشْرَى فَبَشّرْ عِبادِ الّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتّبِعُونَ أحْسَنَهُ لا إله إلا الله ، أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبيّ وأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبابِ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (18)

وقوله تعالى : { الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه } كلام عام في جميع الأقوال ، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم حتى أنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه واتبعوا أحسنه .

واختلف المفسرون في العبارة عن هذا ، فقالت فرقة : أحسن القول كتاب الله ، أي إذا سمعوا الأقاويل وسمعوا القرآن اتبعوا القرآن . وقالت فرقة : القول هو القرآن و { أحسنه } ما فيه من عفو وصفح واحتمال على صبر ونحو ذلك . وقال قتادة : أحسن القول طاعة الله ، وهذه أمثلة وما قلناه أولاً يعمها .