المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (50)

50- ولو ترى - أيها الرسول - ذلك الهول الخطير ، الذي ينزل بهؤلاء الكفار حين تتوفاهم الملائكة فينزعون أرواحهم ، وهم يضربونهم من أمام ومن خلف ، ويقولون لهم : ذوقوا عذاب النار بسبب أفعالكم السيئة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (50)

وبعد هذا البيان لأحوال الكافرين في حياتهم ؛ انتقل القرآن لبيان أحوالهم عند مماتهم . فقال - تعالى - : { وَلَوْ ترى . . . لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } .

والخطاب في قوله - تعالى - : { وَلَوْ ترى . . } للنبى - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب و { لَوْ } شرطية ، وجوابها محذوف لتفظيع الأمر وتهويله .

والمراد بالذين كفروا : كل كافر ، وقيل المراد بهم قتلى غزوة بدر من المشركين .

قال ابن كثير : وهذا السياق وإن كان سببه غزوة بدر ، ولكنه علم في حق كل كافر . ولهذا لم يخصصه الله بأهل بدر قال - سبحانه - { وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . . } .

والفعل المضارع هنا وهو { ترى } بمعنى الماضى ، لأن لو الامتناعية ترد المضارع ماضيا .

والفعل { يَتَوَفَّى } فاعله محذوف للعلم به وهو الله - عز وجل - وقوله : { الذين كَفَرُواْ } هو المفعول وعليه يكون : { الملائكة } مبتدأ وجملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ . . . } خير .

والمعنى لو عاينت وشاهدت أيها العاقل حال الذين كفروا حين يتوفى الله أرواحهم ، لعاينت وشاهدت منظراً مخيفا ، وأمراً فظيعاً تقشعر من هوله الأبدان .

ثم فصل - سبحانه - هذا المنظر المخيف بجملة مستأنفة فقال : { الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } والمراد بوجوههم : ما أقبل منهم ، وبأدبارهم : ما أدبر وهو كل الظهر .

أى : الملائكة عندما يتوفى الله - تعالى - هؤلاء الكفرة يضربون ما أقبل منهم وما أدبر ، لإِعراضهم عن الحق ، وإيثارهم الغى على الرشد .

ومنهم من يرى أن الفعل { يَتَوَفَّى } فاعله { الملائكة } وأن قوله { الذين كَفَرُواْ } هو المفعول وقدم على الفاعل للاهتمام به .

وعليه تكون جملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ . . } حال من الفاعل وهو الملائكة .

فيكون المعنى : ولو رأيت أيها العاقل - حال الكافرين عندما تتوفى الملائكة أرواحهم فتضرب منهم الوجوه والأدبار ، لرأيت عندئذ ما يؤلم النفس ، ويخيف الفؤاد .

ويبدو لنا أن التفسير الأول أبلغ ، لأن توضيح وتفصيل الرؤية بالجملة الاسمية المستأنفة خير منه بجملة الحال ، ولأن إسناد التوفى إلى الله أكثر مناسبة هنا ، إذ أن الله - تعالى - قد بين وظيفة الملائكة هنا فقال : { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } .

وخص - سبحانه - الضرب للوجوه والأدبار بالذكر ، لأن الوجوه أكرم الأعضاء ، ولأن الأدبار هى الأماكن التي يكره الناس التحدث عنها فضلا عن الضرب عليها . أو لأن الخزى والنكال في ضربهما أشد وأعظم .

وقوله : { وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق } معطوف على قوله { يَضْرِبُونَ } بتقدير القول . أي يضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم : ذوقوا عذاب تلك النار المحرقة التي كنتم تكذبون بها في الدنيا .

والذوق حقيقة إدراك المطعومات . والأصل فيها أن يكون أمر مرغوب في ذوقه وطلبه . والتعبير به هنا ذوق العذاب هو لون من التهكم عليهم ، والاستهزاء بهم ، كما في قوله - تعالى - : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وهو أيضا يشعر بأن ما وقع عليهم من عذاب إنما هو بمنزلة المقدمة لما هو أشد منه ، كما أن الذوق عادة يكون كالمقدمة للمطعوم أو الشئ المذاق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (50)

لمّا وُفِّيَ وصفُ حال المشركين حقَّه ، وفصّلت أحوال هزيمتهم ببدر ، وكيف أمكن الله منهم المسلمين ، على ضُعف هؤلاء وقوة أولئك ، بما شاهده كلّ حاضر حتّى ليوقن السامع أنّ ما نال المشركين يومئذ إنّما هو خذلان من الله إيّاهم ، وإيذان بأنّهم لاقون هلاكهم ما داموا مناوئين لله ورسوله ، انتُقِل إلى وصف ما لقيه من العذاب مَنْ قُتل منهم يوم بدر ، ممّا هو مغيب عن الناس ، ليعلم المؤمنون ويرتدع الكافرون ، والمراد بالذين كفروا هنا الذين قتلوا يوم بدر ، وتكون هذه الآية من تمام الخبر عن قوم بدر .

ويجوز أن يكون المراد بالذين كفروا جميع الكافرين حملاً للموصول على معنى العموم فتكون الآية اعتراضاً مستطرداً في خلال القصّة بمناسبة وَصف ما لقيه المشركون في ذلك اليوم ، الذي عجّل لهم فيه عذاب الموت .

وابتدىء الخبر ب { ولو ترى } مخاطباً به غير معين ، ليعمّ كلّ مخاطب ، أي : لو ترى أيّها السامع ، إذ ليس المقصود بهذا الخبر خصوص النبي صلى الله عليه وسلم حتّى يحمل الخطاب على ظاهره ، بل غير النبي أولى به منه ، لأن الله قادر أن يطلع نبيه على ذلك كما أراه الجنّة في عرض الحائط .

ثمّ إن كان المراد بالذين كفروا مشركي يوم بدر ، وكان ذلك قد مضى يكن مقتضى الظاهر أن يقال : ولو رأيت إذ تَوفَّى الذين كفروا الملائكة . فالإتيان بالمضارع في الموضعين مكانَ الماضي ؛ لقصد استحضار تلك الحالة العجيبة ، وهي حالة ضرب الوجوه والأدبار ، ليخيّل للسامع أنّه يشاهد تلك الحالة ، وإن كان المراد المشركين حيثما كانوا كان التعبير بالمضارع على مقتضى الظاهر .

وجواب { لو } محذوف تقديره : لرأيت أمراً عجيباً . وقرأ الجمهور : يتوفّى بياء الغائب وقرأه ابن عامر : تتوفّى بتاء التأنيث رعيا لصورة جمع الملائكة .

والتوفِّي : الإماتة سمّيت توفّياً ؛ لأنها تنهي حياة المرء أو تستوفيها { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } [ السجدة : 11 ]

وجملة : { يضربون وجوههم وأدبارهم } في موضع الحال إن كان المراد من التوفّي قبض أرواح المشركين يوم بدر حين يقتلهم المسلمون ، أي : يزيدهم الملائكة تعذيباً عند نزع أرواحهم ، وهي بدل اشتمال من جملة : { يتوفى } إن كان المراد بالتوفّي توفياً يتوفّاه الملائكة الكافرين .

وجملة : { وذوقوا عذاب الحريق } معطوفة على جملة : { يضربون } بتقدير القول ، لأنّ هذه الجملة لا موقع لها مع التي قبلها ، إلاّ أن تكون من قول الملائكة ، أي : ويقولون : ذوقوا عذاب الحريق كقوله : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا } [ البقرة : 127 ] ، وقوله : { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا } [ السجدة : 12 ] .

وذكر الوجوه والأدبار للتعميم ، أي : يضربون جميع أجسادهم . فالأدبار : جمع دبر وهو ما دَبَر من الإنسان .

ومنه قوله تعالى : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } [ القمر : 45 ] . وكذلك الوجوه كناية عمّا أقبل من الإنسان ، وهذا كقول العرب : ضربته الظهر والبطن ، كناية عمّا أقبل وما أدبر أي ضربته في جميع جسده .

و« الذوق » مستعمل في مطلق الإحساس ، بعلاقة الإطلاق .

وإضافة العذاب إلى الحريق من إضافة الجنس إلى نوعه ، لبيان النوع ، أي عذاباً هو الحريق ، فهي إضافة بيانية .

و { الحريق } هو اضطرام النار ، والمراد به جهنّم ، فلعلّ الله عجّل بأرواح هؤلاء المشركين إلى النار قبل يوم الحساب ، فالأمر مستعمل في التكوين ، أي : يذيقونهم ، أو مستعمل في التشفّي ، أو المراد بقول الملائكة { وذوقوا } إنذارهم بأنّهم سيذوقونه ، وإنّما يقع الذوق يوم القيامة ، فيكون الأمر مستعملاً في الإنذار كقوله تعالى : { قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار } [ إبراهيم : 30 ] بناء على أنّ التمتّع يؤذن بشيء سيحدث بعد التمتّع مضاد لما به التمتّع .