المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

126- وما جعل اللَّه الإمداد بالملائكة إلا بشارة لكم بالنصر ، ولتسكن به قلوبكم ، ليس النصر إلا من عند الله الذي يضع الأشياء في مواضعها ، ويدير الأمور لعبادة المؤمنين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

ثم تابع القرآن حديثه عن مظاهر فضل الله عليهم ورعايته لهم فقال - تعالى - { وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } .

أى وما جعل الله - تعالى - الإمداد الذى أمدكم به إلا بشارة لقلوبكم ، وتطمينا لنفوسكم فالضمير فى { جَعَلَهُ } يعود إلى الإمداد المفهوم وهو الفاعل المقدر المدلول عليه بقوله " أن يمدكم " فكأنه قيل : ألن يكفيكم إمداد الله تعالى لكم بما ذكرن وما جعل الله - تعالى - ذلك الإمداد إلى بشرى لكم ، ولتسكن قلوبكم به فلا تخافوا كثرة العدو ، بل تقدمون عليه بعزائم ثابتة ، ونفوس قوية .

وقوله { بشرى } مفعول لأجله . والاستثناء مفرغ من أعم العلل ، أى ما جعل الله إمدادكم بإنزال الملائكة لشىء من الأشياء إلا للبشارة لكم بأنكم ستنتصرون على أعدائكم .

وقوله { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } معطوف على { بشرى } باعتبار موضعه أى ما جعل إمدادكم إلا للبشرى والطمأنينة .

وإنما جر المصدر المؤول من قوله { وَلِتَطْمَئِنَّ } باللام لاختلال شرط من شروط نصبه على أنه مفعول لأجله ، وهذا الشرط هو عدم اتحاد الفاعل . فإن فاعل الجعل هو الله - تعالى - ، وفاعل الاطمئنان القلوب ، فلذلك نصب المعطوف عليه وهو { بشرى } لاستكمال شروطه . وجر المعطوف وهو { وَلِتَطْمَئِنَّ } لاختلال شرط من شروطه .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله العزيز الحكيم } .

أى ليس النصر إلا من الله وحده فهو العزيز الذى لا يغالب فى أمره . الحكيم الذى يفعل كل ما يريد فعله حسبتما تقتضيه إرادته .

فالجملة الكريمة المقصود منها غرس الاعتماد على الله فى قلوب المؤمنين وتفويض أمورهم إليه ، وبيان أن النصر إنما هو من الله وحده ، وليس من الملائكة أو من غيرهم ، لأن الملائكة أو غيرهم أسباب عاديةو بمعزل عن التأثير ، إلا إذا أراد الله ذلك . فهو الخالق للأسباب والمسببات .

ولقد حرص القرآن فى كثير من آياته على تثبيت هذا المعنى فى قلوب المؤمنين حتى لا يعتمدوا على الأسباب والوسائل التى بين أيديهم ، ويغتروا بها ، دون أن يلتفتوا إلى قدرة خالق الأسباب والوسائل ، فإنهم إذا اغتروا بالأسباب والوسائل ، ونسوا خالقها أتاهم الفشل من حيث لم يحتسبوا وكان أمرهم فرطاً .

والعاقل من الناس هو الذى يباشر الأسباب التى شرعها الله - تعالى - بتدبر واعتبار بحيث يوقن أن من ورائها خالقا لها ، يجب أن يستجيب له فى كل ما أمر أو نهى ، وأن يعتمد عليه فى كل شئونه وأحواله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

{ وما جعله الله } وما جعل إمدادكم بالملائكة . { إلا بشرى لكم } إلا بشارة لكم بالنصر . { ولتطمئن قلوبكم به } ولتسكن إليه من الخوف . { وما النصر إلا من عند الله } لا من العدة والعدد ، وهو تنبيه على أنه لا حاجة في نصرهم إلى مدد وإنما أمدهم ووعد لهم به إشارة لهم وربطا على قلوبهم ، من حيث إن نظر العامة إلى الأسباب أكثر وحثا على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم . { العزيز } الذي لا يغالب في أقضيته . { الحكيم } الذي ينصر ويخذل بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة والمصلحة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

الضمير في { جعله الله } عائد على الإنزال والإمداد ، و «البشرى » مصدر واللام في { ولتطمئن } متعلقة بفعل مضمر يدل عليه جعله ، ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به وتطمئن به قلوبكم وتروا حفاية الله بكم ، وإلا فالكثرة لا تغني شيئاً إلا أن ينصر الله ، قوله : { وما النصر } يريد للمؤمنين ، وكذلك هي الإدالة للكفار من عند الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

يجوز أن تكون جملة { وما جعله الله إلا بشرى } في موضع الحال من اسم الجلالة في قوله : { ولقد نصركم الله ببدر } [ البقرة : 123 ] والمعنى لقد نصركم الله ببدر حين تقول للمؤمنين مَا وعدك الله به في حال أنّ الله ما جعل ذلك الوعدَ إلاّ بشرى لكم وإلاّ فإنَّه وعَدَكم النصر كما في قوله تعالى : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنَّها لكم } [ الأنفال : 70 ] الآية .

ويجوز أن يكون الواو للعطف عطفَ الإخبار على التذكير والامتنان . وإظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار للتنويه بهذه العناية من الله بهم ، والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين .

وضمير النصب في قوله : { جعله } عائد إلى الإمداد المستفاد مِن { يمددكم } [ آل عمران : 125 ] أو إلى الوعد المستفاد من قوله : { إن تصبروا وتتقوا } [ آل عمران : 125 ] الآية .

والاستثناء مفرّغ . و { بشرى } مفعول ثان ل ( جعله ) أي ما جعل الله الإمداد والوعد به إلاّ أنَّه بشرى ، أي جعله بشرى ، ولم يجعله غير ذلك .

و ( لكم ) متعلّق ب ( بشرى ) . وفائدة التصريح به مع ظهور أن البشرى إليهم هي الدلالة على تكرمة الله تعالى إيّاهم بأنْ بَشَّرهم بشرى لأجلهم كما في التصريح بذلك في قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ]

والبشرى اسم لمصدر بَشَّر كالرُّجعى ، والبشرى خبر بحصول ما فيه نفع ومسرّة للمخبر به ، فإنّ الله لمَّا وعدهم بالنَّصر أيقنوا به فكان في تبيين سببه وهو الإمداد بالملائكة طَمْأنة لنفوسهم لأنّ النفوس تركن إلى الصّور المألوفة .

والطمْأنة والطُّمأنِينة : السكون وعدم الاضطراب ، واستعيرت هنا ليقين النَّفس بحصول الأمر تشبيهاً للعلم الثابت بثبات النفس أي عدم اضطرابها ، وتقدّمت عند قوله تعالى : { ولكن ليطمئنّ قلبي } في سورة [ البقرة : 260 ] .

وعُطف { ولتطمئنّ } على { بُشرى } فكانَ داخلاً في حيّز الاستثناء فيكون استثناء مِن عللٍ ، أي ما جعله الله لأجل شيء إلاّ لأجل أن تطمئن قلوبكم به .

وجملة { وما النصر إلا من عند الله } تذييل أي كلّ نصر هو من الله لا من الملائكة . وإجراء وصفي العزيز الحكيم هنا لأنَّهما أولى بالذكر في هذا المقام ، لأنّ العزيز ينصر من يريد نصره ، والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يُعطاه .