البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

{ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به } الظاهر أن الهاء في جعله عائدة على المصدر والمفهوم من يمددكم وهو الإمداد .

وجوّز أن يعود على التسويم ، أو على النصر ، أو على التنزيل ، أو على العدد ، أو على الوعد .

وإلاّ بشرى مستثنى من المفعول له ، أي : ما جعله الله لشيء إلا بشرى لكم .

فهو استثناء فرغ له العامل ، وبشرى مفعول من أجله .

وشروط نصبه موجودة وهو : أنه مصدر ومتحد الفاعل والزمان .

ولتطمئن معطوف على موضع بشرى ، إذ أصله لبشرى .

ولما اختلف الفاعل في ولتطمئن ، أتى باللام إذ فات شرط اتحاد الفاعل ، لأن فاعل بشرى هو الله ، وفاعل تطمئن هو قلوبكم .

وتطمئن منصوب بإضمار أن بعد لام كي ، فهو من عطف الاسم على توهم .

موضع اسم آخر ، وجعل على هذا التقدير متعدية إلى واحد .

وقال الحوفي : إلا بشرى في موضع نصب على البدل من الهاء ، وهي عائدة على الوعد بالمدد .

وقيل : بشرى مفعول ثان لجعله الله .

فعلى هذين القولين تتعلق اللام في لتطمئن بمحذوف ، إذ ليس قبله عطف يعطف عليها .

قالوا : تقديره ولتطمئن قلوبكم به بشركم .

وبشرى : فعلى مصدر كرجعى ، وهو مصدر من بشر الثلاثي المجرد ، والهاء في به تعود على ما عادت عليه في جعله على الخلاف المتقدم .

وقال ابن عطية : اللام في ولتطمئن متعلقة تفعل مضمر يدل عليه جعله .

ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به ، وتطمئن به قلوبكم انتهى .

وكأنه رأى أنه لا يمكن عنده أن يعطف ولتطمئن على بشرى على الموضع ، لأن من شرط العطف على الموضع عند أصحابنا أن يكون ثم محزر للموضع ، ولا محرز هنا ، لأن عامل الجر مفقود .

ومن لم يشترط المحرز فيجوز ذلك على مذهبه ، وإن لا فيكون من باب العطف على التوهم كما ذكرناه أولاً .

وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : قال بعضهم : الواو زائدة في ولتطمئن .

وقال أيضاً في ذكر الإمداد : مطلوبان ، أحدهما : إدخال السرور في قلوبهم ، وهو المراد بقوله : ألا بشرى .

والثاني : حصول الطمأنينة بالنصر ، فلا تجبنوا ، وهذا هو المقصود الأصلي .

ففرق بين هاتين العبارتين تنبيهاً على حصول التفاوت بين الأمرين ، فعطف الفعل على الإسم .

ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة أدخل حرف التعليل انتهى .

وفيه بعض ترتيب وتناقش في قوله : فعطف الفعل على الاسم ، إذ ليس من عطف الفعل على الاسم .

وفي قوله : أدخل حرف التعليل ، وليس ذلك لما ذكر .

{ وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } حصر كينونة النصر في جهته ، لا أنَّ ذلك يكون من تكثير المقاتلة ، ولا من إمداد الملائكة .

وذكر الإمداد بالملائكة تقوية لرجاء النصر لهم ، وتثبيتاً لقلوبهم .

وذكر وصف العزة وهو الوصف الدال على الغلبة ، ووصف الحكمة وهو الوصف الدال على وضع الأشياء مواضعها من : نصرٍ وخذلان وغير ذلك .

/خ132