قوله : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى } الكناية في " جَعَلَهُ " عائدة على المصدر ، أي : ما جعل الإمداد إلا بشرى لكم بأنكم تُنصرون ، وهذا الاستثناء فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله ، وهو استثناء مفرغ ؛ إذ التقدير : وما جعله لشيء من الأشياء إلا للبُشْرَى ، وشروط نصبه موجودة ، وهي اتحاد الفاعل ، والزمان ، وكونه مصدراً سيق للعلة .
والثاني : أنه مفعول ثانٍ لِ " جَعَل " على أنها تصييرية .
والثالث : أنه بدل من الهاء في " جَعَلَهُ " قاله الحوفيّ وجعل الهاء عائدةً على الوعد بالمدد .
والبشرى : مصدر على " فُعْلَى " كالرُّجْعَى .
وقيل : اسم من الإبشار ، وتقدَّم الكلام في معنى البُشْرَى في قوله تعالى : { وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات } [ البقرة : 25 ] .
قوله : { وَلِتَطْمَئِنَّ } فيه وجهان :
أحدهما : أنًّه معطوف على " بُشْرَى " هذا إذا جعلناها مفعولاً من أجله ، وإنما جُرَّ باللام ؛ لاختلال شرط من شروط النصب - وهو عدم اتحاد الفاعل - فإن فاعل الجَعْل هو الله - تعالى - وفاعل الاطمئنان القلوب ، فلذلك نصب المعطوف عليه لاستكمال الشروط ، وجر المعطوف باللام لاختلال شرطه ، وقد تقدم ، والتقدير : وما جعله إلا للبشرى وللطمأنينة .
والثاني : أنها متعلقة بمحذوف ، أي : ولتطمئن قلوبكم ، فعلى ذلك ، أو كان كيت وكيت .
وقال أبو حيان : و " تطمئن " منصوب بإضمار " أن " بعد لام " كي " ، فهو من عطف الاسم على توهم موضع اسم آخر .
ثم نقل عن ابن عطية أنه قال : " اللام في { وَلِتَطْمَئِنَّ } متعلقة بفعل مضمر يدل عليه " جَعَلَهُ " ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به ، ولتطمئن به قلوبكم .
قال أبو حيان : " وكأنه رأى أنه لا يمكن - عنده - أن يُعطف { وَلِتَطْمَئِنَّ } على { بُشْرَى } ، على الموضع ؛ لأن من شرط العطف على الموضع - عند أصحابنا - أن يكون ثَمَّ مُحْرِز للموضع ، ولا محرز هنا ؛ لأن عامل الجَرِّ مفقود ، ومَنْ لم يشترط المحرز ، فيجوز ذلك على مذهبه وسيكون من باب العطف على التوهُّم " .
قال شهاب الدين : " وقد جعل بعضهم الواو في { وَلِتَطْمَئِنَّ } زائدة ، وهو لائق بمذهب الأخفش ، وعلى هذا فتتعلق اللام بالبشرى ، أي : أن البشرى عِلَّة للجَعْل ، والطمأنينة علة للبُشْرَى ، فهي علة العلة " .
قال ابْنُ الخَطِيبِ : في ذكر الإمداد مطلوبان وأحدهما أقوى في المطلوبية من الآخر :
فأحدهما : إدخال السرور في قلوبهم ، وهو المراد بقوله : { إلاَّ بُشْرَى } .
الثاني : حصول الطمأنينة بالنصر ، فلا يجنبون ، وهذا هو المقصود الأصلي ، ففرق بين هاتين العبارتين تنبيهاً على حصول التفاوت بين الأمرين في المطلوبية ، فعطف الفعل على الاسم ، ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة ، أدخل حرف التعليل على فعل الطمأنينة ، فقال : { وَلِتَطْمَئِنَّ } ونظيره قوله :
{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] لما كان المقصود الأصلي هو الركوب ، أدخَل عليه حرف التعليل ، فكذا هاهنا .
قال أبو حيان : " ويناقش في قوله : عطف الفعل على الاسم ؛ إذْ ليس من عطف الفعل على الاسم وفي قوله : أدخل حرف التعليل ، وليس ذلك كما ذكره " . انتهى .
قال شهَابُ الدِّينِ : " إن عنى الشيخ أنه لم يدخل حرف التعليل ألبتة ، فهذا لا يمكن إنكاره ألبتة ، وإن عنى أنه لم يدخله بالمعنى الذي قصده الإمام فسَهْل " .
وقال الجُرْجَانِيُّ في نظمه : " هذا على تأويل : وما جعله الله إلا ليبشركم ولتطمئن ، ومن أجاز إقحام الواو - وهو مذهب الكوفيين - جعلها مقحمة في { وَلِتَطْمَئِنَّ } فيكون التقدير : وما جعله الله إلا بشرى لكم ؛ لتطمئنَّ قلوبكم به " .
والضميران في قوله { وَمَا جَعَلَهُ } ، و " بِهِ " يعودان على الإمداد المفهومِ من الفعل المتقدم ، وهو قوله : " يمددكم " .
قال في هذه الآية : " لَكُمْ " وتركها في سورة الأنفال ؛ لأن تيك مختصر هذه ، فكان الإطناب - هنا- أوْلَى ؛ لأن القصة مكملة هنا ، فناسب إيناسهم بالخطاب المواجه ، وأخر - هنا - " به " وقدمه في سورة الأنفال ؛ لأن الخطاب - هنا - موجود في " لَكُمْ " فأتبع الخطاب الخطاب ، وهنا جاء بالصفتين تابعتين في قوله : { الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } وجاء بهما في جملة مستأنفة في سورة الأنفال ، في قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 10 ] ؛ لأنه لما خاطبهم - هنا - حسن تعجيل بشارتهم بأنه عزيز حكيم ، أي : لا يغالب ، وأن أفعاله كلها متقنة حكمة وصواب ، فالنصر من عنده ، فاستعينوا به ، وتوكلوا عليه ؛ لأن العز والحُكْم له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.