التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

قوله : ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ) الضمير في ( جعله ) يعود على الإمداد بالملائكة . والبشرى ، والبشارة تعني الخبر السار ، أي أن الله أنزل الملائكة إمدادا لكم ليكون ذلك بشارة لكم وتطييبا لقلوبكم وتطمينا ، وتقوية لهممكم وتثبيتا بما يزداد به رجاؤكم بالنصر والطمع في رحمة الله .

قوله : ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) ذلك قرار رباني ثابت لا يتخلف بعد ما ذكر من أن تقدير المدد من الله للمسلمين كان تطمينا لقلوبهم بما ينسجم مع طبيعة الإنسان المفطور على الضعف . وذلك هو شأن الإنسان ودأبه في رجاء العون والمدد المشهور تثبيتا لقلبه وأعصابه فلا تهون أو تتزعزع .

وبالرغم من ذلك كله فإن الحقيقة الماثلة الكبرى في هذا الصدد ، والقيمنة بالاعتبار والوعي والتي ينبغي أن تظل راسخة في الأذهان والقلوب هي أن النصر إنما يكتبه الله لمن يشاء من عباده . فهو سبحانه الناصر القاهر ، وهو المعز المذل وهو الذي لا سند عن ملكوته وإحاطته وعلمه شيء . لا جرم أن الله ينصر جنده المؤمنين الأبرار إذا ما اتقوه وأطاعوه ثم توكلوا عليه حق التوكل مع ما يرافق ذلك كله من اتخاذ الأسباب المستطاعة . فإذا ما استتم الحال بالمسلمين على هذا المنوال من التقى والطاعة وتمام التوكل وحسن الإعداد فإنه الله ناصرهم . فهو جل وعلا مصدر النصر وهو الذي يقهر المشركين والمجرمين والظالمين مهما أخذ بهم الاغترار بقوة السلاح وكثرة الحشود من العساكر . وذلك مقتضى قوله س [ حانه : ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) أي أن النصر إنما يصدر من الله وحده وهو سبحانه العزيز الذي لا يقهر ولا يغالب ، وهو الحكيم الذي ينصر ويخذل بمقتضى حكمه وعلمه .