بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (126)

ثم قال تعالى : { وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ } يعني : المدد من الملائكة . قال بعضهم : إن الملائكة لم تقاتل ، وإنما بعثهم للبشارة وتسكين قلوب المؤمنين ، لأن في قتال الملائكة لم يكن للمؤمنين فضيلة ، وإنما كانت الفضيلة للمؤمنين إذ كانوا هم الذين يقاتلون ويهزمون الكفار ، ولو كان ذلك لأجل الإعانة لكان ملك واحد يكفيهم كما فعل بقوم لوط . ألا ترى أنه قال تعالى : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور } 3 4 5 [ الأنفال : 44 ] فجعل الفضيلة في قلتهم في أعين الكفار ونصرتهم بالغلبة ، وهذا معنى قوله تعالى : { وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ } .

{ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } يعني تطمئن إليه قلوبكم . وقال بعضهم : إن الملائكة كانوا يقاتلون ، وكانت علامة ضربهم في الكفار ظاهرة ، لأن كل موضع أصابت ضربتهم اشتعلت النار في ذلك الموضع ، حتى إن أبا جهل قال لابن مسعود : أنت ما قتلتني ، إنما قتلني الذي لم يصل سناني إلى سنْبك فرسه وإن اجتهدت . وإنما كانت الفائدة في كثرة الملائكة لتسكن قلوب المؤمنين ، ولأن الله تعالى جعل أولئك الملائكة مجاهدين إلى يوم القيامة ، وكل عسكر من المسلمين صبروا واحتسبوا تأتيهم تلك الملائكة ويقاتلون معهم ويقال : الفائدة في كثرة الملائكة أنهم كانوا يدعون ويسبحون ، وثواب ذلك للذين يقاتلون يومئذ . وسنذكر قصة بدر في سورة الأنفال إن شاء الله تعالى . ثم قال : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله العزيز الحكيم } يعني . ليس بكثرة العدد ولا بقلته ، ولكن النصر من الله تعالى كما قال في آية أخرى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [ التوبة : 25 ] .