المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

68- ومن نُطل عمره نرده من القوة إلى الضعف ، أفلا يعقلون قدرتنا على ذلك ليعلموا أن الدنيا دار فناء ، وأن الآخرة هي دار البقاء ! {[193]}


[193]:ومن نطل عمره نرده إلى عكس ما كان عليه من القوة فيصبح ضعيفا، وذلك لأن حياة الإنسان تأخذ ثلاث مراحل، نمو ونضج وضمور. وتبدأ الشيخوخة بابتداء ضمور النشيج الحشوي في الكلي والكبد والغدة الدرقية والبنكرياس، وهذا له أثر في إضعاف الجسم كله، وتبدأ كذلك الشرايين في التصلب والضمور وبذلك يقل الدم الذاهب إلى جميع أعضاء الجسد فيزيده ضعفا على ضعف. ومن أسباب الشيخوخة زيادة قوى الدم على قوى البناء في الجسم metabolism وذلك أن خلايا الجسم كلها في تغير مستمر وكذلك خلايا الدم ما عدا خلايا المخ والنخاع فإنها لا تتغير مدى الحياة، فإذا كانت نسبة تجدد الخلايا منسبة هلاكها لا تظهر الأعراض، أما إذا زادت نسبة هلاك الخلايا على تجددها في أي عضو ظهر ضمور هذا العضو وعلى ذلك فكلما تقدم السن تضاءلت نسبة التجدد وزادت نسبة الانحلال الخلوي وظهر الضمور العام. وتختلف نسبة التجدد والضمور باختلاف نوع الأنسجة. فالظاهر منها كالبشرة الكاسية للجسم والأغشية المبطنة للقنوات الهضمية وقنوات الغدد تضمر بنسبة أكبر كلما تقدمت السن بالإنسان، وهذا هو السبب المباشر لأعراض الشيخوخة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

ثم بين - سبحانه - أحوال الإِنسان عندما يتقدم به العمر فقال : { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق أَفَلاَ يَعْقِلُونَ }

وقوله : { نُّعَمِّرْهُ } من التعمير . بمعنى إطالة العمر .

قال القرطبى : وقوله : { نُنَكِّسْهُ } قرأه عاصم وحمزة - بضم النون الأولى وتشديد الكاف - من التنكيس . وقرأه الباقون : { نَنْكُسُه } - بفتح النون الأولى وضم الكاف - من نكست الشئ أنكُسُه نَكْساً إذا قلبته على رأسه فانتكس .

قال قتادة : المعنى : أنه يصير إلى حال الهرم الذى يشبه حال الصبا . . . قال الشاعر :

من عشا أَخْلَقَت الأيام جِدَّتَه . . . وخانه ثقتاه السمع والبصر

فطول العمر يصير الشباب هَرَما ، والقوة ضعفا ، والزيادة نقصا . . وقد استعاذ النبى صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر .

.

والمعنى : " ومن نطل عمره ننكسه فى الخلق " أى : نرده إلى أرذل العمر ، فنجعله - بقدرتنا - ضعيفا بعد أن كان قويا ، وشيخا بعد أن كان شابا فتيا ، وناقص العقل بعد أن كان مكتمله . . . { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } ذلك - أيها الناس - مع أنه من الأمور المشاهدة أمام أبصاركم ، وتعرفون أن من قدر على تحويل الإِنسان من ضعف إلى قوة ، ومن قوة إلى ضعف . . قادر - أيضاً - على إعادته إلى الحياة مرة أخرى بعد موته .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ العليم القدير } وقوله - سبحانه - { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد هددت الكافرين بسوء المصير إذا استمروا فى كفرهم ، وبينت جانباً من فضل الله - تعالى - عليهم ، لعلهم يفيئون إلى رشدهم ، ويشكرونه على نعمه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

{ ومن نعمره } ومن نطل عمره . { ننكسه في الخلق } نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره ، وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على أصله ، وقرأ عاصم وحمزة " ننكسه " من التنكيس وهو أبلغ والنكس أشهر . { أفلا يعقلون } أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما ويزاد غير أنه على تدرج ، وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله .