المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ} (10)

10- وإننا لو أعطينا الإنسان نعمة بعد ضر لحق به ، فإنه يقول : ذهب ما كان يسوؤني ولن يعود ويحملُه ذلك على شدة الفرح بمتاع الدنيا ، وعلى المبالغة في التفاخر على الغير ، فينشغل قلبه عن شكر ربه ، هذا هو شأن غالب بني الإنسان : مضطرب بين اليأس والتفاخر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ} (10)

ثم بين - سبحانه - حالة هذا الإِنسان اليؤوس الكفور ، عندما تأتيه السراء بعد الضراء فقال : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } .

والنعماء : النعمة التى يظهر أثرها على صاحبها ، واختبر لفظ النعماء لمقابلته للضراء .

والضراء : ما يصيب الإِنسان من مصائب يظهر أثرها السئ عليه .

والمراد بالسيئات : الأضرار التى لحقته كالفقر والمرض .

والمعنى : ولئن أذقنا هذا الإِنسان اليؤوس الكفور { نعماء } بعد ضراء مسته كصحة بعد مرض ، وغنى بعد فقر ، وأمن بعد خوف ، ونجاح بعد فشل .

{ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني } أى : ليقولن فى هذه الحالة الجديدة ببطر وأشر ، وغرور وتكبر ، لقد ولت المصائب عنى الأدبار ، ولن تعود إلى .

وعبر - سبحانه - فى جانب الضراء بالمس ، للإِشارة إلى أن الإِصابة بها أخف مما تذوقه من نعماء ، وأن لطف الله شامل لعباده فى كل الأحوال .

وجملة { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } جواب القسم .

أى : إنه لشديد الفرح والبطر بالنعمة : كثير التباهى والتفاخر بما أعطى منها ، مشغول بذلك عن القيام بما يجب عليه نحو خالقه من شكر وثناء عليه - سبحانه -

وإنها - أيضا - لصورة صادقة لهذا الإِنسان العجول القاصر ، الذى يعيش فى لحظته الحاضرة ، فلا يتذكر فيما مضى ، ولا يتفكر فيما سكون عليه حاله بعد الموت ، ولا يعتبر بتقلبات الأيام ، فهو يؤوس كفور إذا نزعت منه النعمة ، وهو بطر فخور إذا عادت إليه ، وهذا من أسوأ ما تصاب به النفس الإِنسانية من أخلاق مرذولة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ} (10)

يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة ، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين ، فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة ، حصل له يأس{[14511]} وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل ، وكفر وجحود لماضي الحال ، كأنه لم ير خيرا ، ولم يَرْج{[14512]} بعد ذلك فرجا . وهكذا إن{[14513]} أصابته نعمة بعد نقمة { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي } أي : يقول : ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء ، { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } أي : فرح بما في يده ، بطر فخور على غيره .


[14511]:- في ت : "إياس".
[14512]:- في ت ، أ : "ولا يرجوا".
[14513]:- في ت : "إذا".

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ} (10)

هذه الجملة تتميم للّتي قبلها لأنها حكت حالة ضدّ الحالة في الّتي قبلها ، وهي جملة قسم وشرط وجواب قسم كما تقدم في نظائرها .

وضمير { أذقناه } المنصوب عائد إلى الإنسان فتعريفه كتعريف معاده للاستغراق بالمعنى المتقدم .

والنعماء بفتح النون وبالمد النعمة واختير هذا اللفظ هنا وإن كان لفظ النعمة أشهر لمحسن رعي النظير في زنة اللّفظين النعماء والضراء . والمراد هنا النعمة الحاصلة بعد الضراء .

والمس مستعمل في مطلق الإصابة على وجه المجاز . واختيار فعل الإذاقة لما تقدم ، واختيار فعل المس بالنسبة إلى إدراك الضرّاء إيماء إلى أنّ إصابة الضرّاء أخفّ من إصابة النّعماء ، وأن لطف الله شامل لعباده في كلّ حال .

وأكّدَت الجملة باللاّم الموطئة للقَسَم وبنون التّوكيد في جملة جواب القسم لمثل الغرض الذي بيّنّاه في الجملة السابقة .

وجعل جواب القسم القول للإشارة إلى أنّه تبجحٌ وتفاخر ، فالخبر في قوله : { ذهب السيئات عنّي } مستعمل في الازدهاء والإعجاب ، وذلك هو مقتضى زيادة { عنّي } متعلقاً ب { ذهب } للإشارة إلى اعتقاد كل واحد أنّه حقيق بأن تَذهب عنه السيّئات غروراً منه بنفسه ، كما في قوله : { ولئن أذقناه رحمةً منّا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمةً ولئن رجعت إلى ربّي إن لي عندَه لَلْحسنى } [ فصلت : 50 ] .

وجملة { إنّه لفرح فخور } استئناف ابتدائي للتعجيب من حاله ، و ( فرح وفخور ) مثالاَ مبالغة ، أي لشديد الفرح شديد الفخر . وشدة الفرح : تجاوزه الحد وهو البطر والأشَر ، كما في قوله : { إنّ اللّهَ لاَ يُحبُّ الْفَرحين } [ القصص : 76 ] .

والفخر : تباهي المرء على غيره بما له من الأشياء المحبوبة للنّاس .

والمعنى أنّه لا يشكر الله على النعمة بعد البأساء وَمَا كان فيه من الضرّاء فلا يتفكر في وجود خالق الأسباب وَنَاقل الأحوال ، والمخالف بين أسبابها . وفي معنى الآيتين قولُه في سورة [ الشورى : 48 ] { وَإنّا إذا أذقنا الإنسانَ منّا رحمةً فَرحَ بهَا وإن تصبهم سيئةٌ بما قدمت أيديهم فإنّ الإنسانَ كفور . }