اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ} (10)

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ } قال الوَاحديُّ : النَّعْمَاء إنعام يظهر أثرهُ على صاحبه ، والضَّرَّاءُ مضرَّةٌ يظهر أثرها على صاحبها ؛ لأنَّها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة نحو : حمراء وسوداء ، وهذا هو الفرق بين النِّعمةِ والنَّعماء ، والمضرة والضَّراء .

والمعنى : إذا أذقناه نعمة بعد بلاء أصابه : { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني } زالت الشَّدائدُ عنِّي ، إنَّهُ لفرحٌ فخورٌ أشر بطر ، والفرح : لذَّة في القلب بنيل المشتهى . والفخرُ : هو التطاول على الناس بتعديد المناقب ، وذلك منهيٌّ عنه .

فصل

اعلم أنَّ أحوال الدنيا أبداً في التَّغير والزَّوال ، والتحوُّل والانتقال ، فإمَّا أن يتحوَّل الإنسانُ من النِّعمة إلى المِحْنةِ أو العكس .

فأمَّا الأوَّلُ : فهو المراد بقوله عز وجل : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } [ هود : 9 ] أي أنه حال زوال تلك النعمة يصير يَئُوساً ؛ لأنَّ الكافر يعتقدُ أنَّ السبب في حصول تلك النِّعمة سببٌ اتفاقي ، ثُمَّ إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى ، فلا جرم يسبعد تلك النعمة فيقع في اليأسِ . وأمَّا المسلمُ ، فيعتقد أنَّ تلك النِّعمة إنَّما حصلت من فضل الله وإحسانه ، فلا ييأس ، بل يقول لعلَّه يؤخِّرها إلى ما هو أحسن ، وأكمل ممَّا كانت ، وأمَّا أن الإنسان يكونُ كفوراً حال تلك النعمة ، فإنَّ الكافر لمَّا اعتقد أنَّ حصولها كان على سبيل الاتفاق ، أو أنَّهُ حصلها بجدِّه واجتهاده ، فحينئذٍ لا يشتغل بشكرِ الله على تلك النِّعمة والمسلم يشكر الله تعالى .

والحاصلُ أنَّ الكافر يكون عند زوال النِّعمة يئوساً وعند حصولها كفوراً .

وأمَّا انتقال الإنسان من المحنة إلى النِّعمة ، فالكافرُ يكون فرحاً فخوراً ؛ لأنَّ منتهى طبع الكافر هو الفوزُ بهذه السَّعادات الدُّنيوية ، وهو منكرٌ للسعادات الأخرويَّة .

قوله : " لفرحٌ " قرأ الجمهو بكسر الرَّاءِ ، وهو قياسُ اسم الفاعل من " فَعِلَ " اللاَّزم بكسر العين نحو : أشِرَ فهو أشِرٌ ، وبَطِرَ فهو بَطِرٌ ، وقرئ{[18694]} شاذاً " لَفَرُحٌ " بضمِّ الرَّاء نحو : يَقِظٌ ويَقُظٌ ، وندِس وندُس .


[18694]:ينظر: المحرر الوجيز 3/154، البحر المحيط 5/27، الدر المصون 4/82.