إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ} (10)

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ } كصِحّة بعد سَقَم وجِدَةٍ بعد عدمٍ وفرجٍ بعد شدة ، وفي التعبير عن ملابسة الرحمةِ والنعماءِ بالذوق المُؤْذِنِ بلذتهما وكونِهما مما يُرْغب فيه ، وعن ملابسة الضراءِ بالمسِّ المُشْعِرِ بكونها في أدنى ما ينطلق عليه اسمُ الملاقاة من مراتبها ، وإسنادُ الأولِ إلى الله عز وجل دون الثاني ، ما لا يخفى من الجزالة والدِلالةِ على أن مرادَه تعالى إنما هو إيصالُ الخير المرغوبِ فيه على أحسن ما يكون ، وأنه إنما يريد بعباده اليُسرَ دون العسرِ وإنما ينالهم ذلك بسوء اختيارِهم نيلاً يسيراً كأنما يلاصقُ البشرَةَ من غير تأثيرٍ ، وأما نزعُ الرحمةِ فإنما صدَر عنه بقضية الحِكمةِ الداعية إلى ذلك وهي كفرانُهم بها كما سبق ، وتنكيرُ الرحمة باعتبار لحُوقِ النزْعِ بها { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عَنّي } أي المصائبُ التي تسوءني ولن يعترِيَني بعدُ أمثالُها كما هو شأنُ أولئك الأشرارِ ، فإن الترقّبَ لورود أمثالِها مما يكدّر السرورَ وينغص العيش { إِنَّهُ لَفَرِحٌ } بطِرٌ وأشِرٌ بالنعم مغترٌّ بها { فَخُورٌ } على الناس بما أوتيَ من النعم مشغولٌ بذلك عن القيام بحقها ، واللامُ في لئن في الآيات الأربعِ موطّئةٌ للقسم ، وجوابُه سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط .