السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ} (10)

{ ولئن أذقناه } أي : الكافر { نعماء بعد ضرّاء مسته } كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم ، وفي اختلاف الفعلين وهما أذقناه ومسته من حيث الإسناد إليه تعالى في الأوّل وإلى الضرّاء في الثاني نكتة عظيمة وهي أنّ النعمة صادرة من الله تعالى تفضلاً منه لخبر : «ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى . قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا » . والضرر صادر من العبد كسباً ؛ لأنه السبب فيه باجتلابه إياه بالمعاصي غالباً لقوله تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } [ النساء ، 79 ] ولا ينافي ذلك قوله تعالى : { قل كل من عند الله } [ النساء ، 78 ] فإن الكلّ منه إيجاداً ، غير أنّ الحسنة إحسان وامتحان ، والسيئة مجازاة وانتقام لخبر : «ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر » . { ليقولنّ } أي : الذي أصابه الصحة والغنى { ذهب السيئات } أي : المصائب التي أصابتني { عني } ولم يتوقع زوالها ولا يشكر عليها { إنه لفرح } أي : فرح بطر { فخور } على الناس بما أذاقه الله تعالى من نعمائه ، وقد شغله الفرح والفخر عن الشكر فبيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية أنّ أحوال الدنيا غير باقية بل هي أبداً في التغير والزوال والتحوّل والانتقال ، فإنّ الإنسان إمّا أن يتحوّل من النعمة إلى المحنة ، ومن اللذات إلى الآفات كالقسم الأوّل ، وإمّا أن يكون بالعكس من ذلك وهو أن ينتقل من المكروه إلى المحبوب كالقسم الثاني .