وقوله : { سَآءَ مَثَلاً القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } استئناف مسوق لبيان كمال قبحهم بعد البيان السابق . و { سَآءَ } بمعنى بئس وفاعلها مضمر . و { مَثَلاً } تمييز مفسر له ، والمخصوص بالذم قوله - تعالى - { القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } .
أى : ساء مثلا مثل أولئك القوم الذين كذبوا بآياتنا حيث شبهوا بالكلاب إما في استواء الحالتين في النقصان وأنهم ضالون وعظوا أم لم يوعظوا ، وإما في الخسة ، فإن الكلاب لاهمة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن خير الهدى والعلم وأقبل على هواه صار شبيها بالكلب ، وبئس المثل مثله ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس لنا مثل السوء . العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " .
وقوله { وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } معطوف على { كَذَّبُواْ } داخل معه في حكم الصلة بمعنى أنهم جمعوا بين أمرين قبيحين : التكذيب وظلمهم أنفسهم أو منقطع عنه بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم وحدها بارتكابهم تلك الموبقات والخطيئات . فإن العقوبة لا تقع إلا عليهم لا على غيرهم .
هذا ، والذى ذهب إليه المحققون من العلماء أن هذه الآيات الكريمة المثل فيها مضروب لكل إنسان أوتى علما ببعض آيات الله ، ولكنه لم يعمل بمقتضى علمه ، بل كفر بهم وبنذها وراء ظهره وصار هو والجاهل سواء .
وقيل : إن الآيات الكريمة واردة في شخص معين ، واختلفوا في هذا المعين .
فبعضهم قال إنها في أمية بن أبى الصلت ، فإنه كان قد قرأ الكتيب ، وعلم أن الله مرسل رسولا وتمنى أن يكون هو هذا الرسول ، فلما أرسل الله - تعالى - نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم حسده ومات كافراً .
وبعضهم قال : نزلت في أبى عامر الراهب الذي سماه النبى صلى الله عليه وسلم : " الفاسق " كان يترهب في الجاهلية فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام ، وأمر المنافقين باتخاذ مسجد الضرار والشقاق .
وبعضهم قال : إنها في منافقى أهل الكتاب ، كانوا يعرفون صفة النبى صلى الله عليه وسلم ومخرجه ، فلما بعثه الله - تعالى - كفروا به .
وبعضهم قال : إنها نزلت لتحكى قصة رجل من علماء اليهود اسمه بلعم ابن باعوراء أوتى علم بعض كتب الله ثم انسلخ منها بأن كفر بها ونبذها بعد أن رشاه اليهود .
والذى نراه أن الرأى الأول الذي عليه المحققون من المفسرين هو الراجح ، وأن هؤلاء الذين ذكروا يندرجون تحته ، لأنه لم يرد نص صحيح يعين اسم الذي وردت الآيات في حقه ، فوجب أن نحملها على أنها واردة في شأن كل من علم الحق فأعرض عنه واتبع هواه .
ثم يعقب القرآن على هذا المثل ببيان أن الهداية والضلال من الله وأن هناك أقواماً من الجن والإنس قد خلقوا لجهنم بسبب إيثارهم طريق الشر على طريق الخير قال - تعالى - : { مَن يَهْدِ الله . . . } .
وقوله : { سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } يقول تعالى ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ، أي : ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي{[12400]} لا همة لها{[12401]} إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن حَيِّز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه ، واتبع هواه ، صار شبيها بالكلب ، وبئس المثل مثله ؛ ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " {[12402]}
وقوله : { وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } أي : ما ظلمهم الله ، ولكن هم ظلموا أنفسهم ، بإعراضهم عن اتباع الهدى ، وطاعة المولى ، إلى الركون إلى دار البلى ، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى .
جملة مستأنفة لأنها جعلت إنشاء ذَم لهم ، بأن كانوا في حالة شنيعة وظلموا أنفسهم .
والظلم هنا على حقيقته فإنهم ظلموا أنفسهم بما أحلّوه بها من الكفر الذي جعلهم مذمومين في الدنيا ومعذبين في الآخرة .
وتقديم المفعول للاختصاص ، أي ما ظلموا إلا أنفسهم ، وشأن العاقل أن لا يؤذي نفسه ، وفيه إزالة تبجحهم بأنهم لم يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ظناً منهم أن ذلك يغيظه ويغيظ المسلمين ، وإنما يضُرون أنفسهم .
وجملة : { وأنفسهم كانوا يظلمون } يجوز أن تكون معطوفة على الصلة باعتبار أنهم معروفون بمضمون هذه الجملة عند النبي والمسلمين ، ويجوز أن تكون معطوفة على جملة : { ساء مثلاً القوم } فتكون تذييلاً للجملة التي قبلها إخباراً عنهم بأنهم في تكذيبهم ، وإنتفاء من القصص ما ظلموا إلا أنفسهم .
وقوله : { كانوا يظلمون } أقوى في إفادة وصفهم بالظلم من أن يقال : وظلموا أنفسهم ، كما تقدم في قوله تعالى : { وليكون من الموقنين } في سورة الأنعام ( 75 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.