مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{سَآءَ مَثَلًا ٱلۡقَوۡمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَأَنفُسَهُمۡ كَانُواْ يَظۡلِمُونَ} (177)

قوله تعالى : { ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون }

اعلم أنه تعالى لما قال بعد تمثيلهم بالكلب { ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } وزجر بذلك عن الكفر والتكذيب أكده في باب الزجر بقوله تعالى : { ساء مثلا } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال الليث : ساء يسوء فعل لازم ومتعد يقال : ساءت الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح وساءه يسوءه مساءه . قال النحويون : تقديره ساء مثلا ، مثل القوم انتصب مثلا على التمييز لأنك إذا قلت ساء جاز أن تذكر شيئا آخر سوى مثلا ، فلما ذكرت نوعا ، فقد ميزته من سائر الأنواع وقولك القوم ارتفاعه من وجهين : أحدهما : أن يكون مبتدأ ويكون قولك ساء مثلا خبره . والثاني : أنك لما قلت ساء مثلا . قيل لك : من هو ؟ قلت القوم ، فيكون رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف . وقرأ الجحدري : ساء مثل القوم .

البحث الثاني : ظاهر قوله : { ساء مثلا } يقتضي كون ذلك المثل موصوفا بالسوء ، وذلك غير جائز ، لأن هذا المثل ذكره الله تعالى ، فكيف يكون موصوفا بالسوء ، وأيضا فهو يفيد الزجر عن الكفر والدعوة إلى الإيمان ، فكيف يكون موصوفا بالسوء ، فوجب أن يكون الموصوف بالسوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله تعالى وإعراضهم عنها ، حتى صاروا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلب اللاهث .

أما قوله تعالى : { وأنفسهم كانوا يظلمون } فإما أن يكون معطوفا على قوله : { كذبوا } فيدخل حينئذ في حيز الصلة بمعنى الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم ، وإما أن يكون كلاما منقطعا عن الصلة بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب ، وإما تقديم المفعول ، فهو للاختصاص كأنه قيل وخصوا أنفسهم بالظلم وما تعدى أثر ذلك الظلم عنهم إلى غيرهم .