ولا شك أن المرأة عندما تكون قد بلغت سن اليأس . ولم يكن لها ولد ، ثم تأتيها مثل هذه البشارة يهتز كيانها ، ويزداد عجبها ، ولذا قالت على سبيل الدهشة والاستغراب : { ياويلتى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } .
وكلمة { يا ويلتى } تستعمل فى التحسر والتألم والتفجع عند نزول مكروه .
والمراد بها هنا : التعجب لا الدعاء على نفسها بالويل والهلاك ، وهى كلمة كثيرة الدوران على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يدهشن له ، ويتعجبن منه .
أى : قالت بدهشة وعجب عندما سمعت بشارة الملائكة لها بالود وبولد الولد : يا للعجب أألد وأنا امرأة عجوز ، قد بلغت سن اليأس من الحمل منذ زمن طويل ، { وهذا بَعْلِي } أى : زوجى إبراهيم " شيخا " كبيراً متقدماً فى السن .
قال الجمل : وهاتان الجملتان - { وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً } - فى محل النصب على الحال من الضمير المستتر فى { أألد } وشيخاً حال من بعلى ، والعامل فيه اسم الإِشارة لما فيه من معنى الفعل .
وقوله - كما حكى القرآن عنها - { إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } - أى : إن هذا الذى بشرتمونى به من حصول الولد لى فى تلك السن المتقدمة { لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } فى مجرى العادة عند النساء
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالت} سارة: {يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا}... {إن هذا لشيء عجيب} يعني لأمر عجيب أن يكون الولد من الشيخين الكبيرين...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قالت سارّة لما بُشّرت بإسحاق أنها تلد تعجبا مما قيل لها من ذلك، إذ كانت قد بلغت السنّ التي لا يلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء...
"ءألِدُ وأنا عَجُوزٌ" تقول: أنى يكون لي ولد وأنا عجوز.
"وَهَذَا بَعْلى شَيْخا" والبعل في هذا الموضع: الزوج، وسمي بذلك لأنه قّيم أمرها، كما سموا مالك الشيء بعله، وكما قالوا للنخل التي تستغني بماء السماء عن سقي ماء الأنهار والعيون البعل، لأن مالك الشيء القيم به، والنخل البعل بماء السماء حياته.
"إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ" يقول: إن كون الولد من مثلي ومثل بعلي على السنّ التي بها نحن لشيء عجيب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هي لم تتعجب من قدرة الله أنه قادر على أن يهب الولد في كل وقت، ولكنها تعجبت لما رأت العادة في النساء والرجال أنهم إذا بلغوا المبلغ الذين كانا هما عليه لم يلدوا. فتعجبا أنها لم تلد في الحال التي هما عليه أو يردا إلى حال الشباب. فعند ذلك يولد لهما، وكلاهما عجيب بحيث الخروج على خلاف العادة لا بحيث قدرة الرب، وهو كما ذكرنا من قول زكريا: (أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) [آل عمران: 40] وفي موضع آخر: (وقد بلغت من الكبر عتيا) [مريم: 8] قوله: (أنى يكون لي غلام) في الحال التي أنا عليها أو يرد إلى شبابي. فعلى ذلك قولها: (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)...
إنها مع علمها بأن ذلك في مقدور الله تعجّبت بطبع البشرية قبل الفِكرِ والرَّوِيَّة، كما ولّى موسى عليه السلام مُدْبراً حين صارت عصاه حية حتى قيل له: {أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} [القصص: 31]...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوزٌ وهذا بَعْلي شيخا} لم تقصد بقولها يا ويلتا الدعاء على نفسها بالويل، ولكنها كلمة تخفُّ على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه، وعجبت من ولادتها وهي عجوز وكون بعلها شيخاً لخروجه عن العادة، وما خرج عن العادة مستغرب ومستنكر...
{إن هذا لشيء عجيب} أي منكر، ومنه قوله تعالى: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} [ق: 2] أي أنكروا. ولم يكن ذلك منها تكذيباً ولكن استغراباً له...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ومعنى {يا ويلتى} في هذا الموضع؛ العبارة عما دهم النفس من العجب في ولادة عجوز، وأصل هذا الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة أو مكروه يهم النفس، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما شافهوها بذلك، صرحت بوجه العجب من أنه جامع بين عجبين في كونه منه ومنها بأن {قالت يا ويلتي} وهي كلمة تؤذن بأمر فظيع تخف على أفواه النساء ويستعملنها إلى اليوم، لكنهن غيرن في لفظها كما غير كثير من الكلام؛ والويل: حلول الشر؛ والألف في آخره بدل عن ياء الإضافة، كنى بها هنا عن العجب الشديد لما فيه من الشهرة ومراجمة الظنون؛ وقال الرماني: إن معناها الإيذان بورود الأمر الفظيع كما تقول العرب: يا للدواهي! أي تعالين فإنه من أحيانك فحضور ما حضر من أشكالك.
ولما كان ما بشرت به منكراً في نفسه بحسب العادة قالت: {ءَألد وأنا} أي والحال أني {عجوز وهذا} أي من هو حاضري {بعلي شيخاً} ثم ترجمت ذلك بما هو نتيجته فقالت مؤكدة لأنه -لما له من خرق العوائد- في حيز المنكر عند الناس: {إن هذا} أي الأمر المبشر به {لشيء عجيب}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما بشّروها بذلك صرحت بتعجبها الذي كتمته بالضحك، فقالت: {يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيءٌ عجيب}، فجملة {قالت} جواب للبشارة...
والنداء في {يا ويلتا} استعارة تبعية بتنزيل الويلة منزلة من يعقل حتّى تنادى، كأنها تقول: يا ويلتي احضر هنا فهذا موضعك.
والويلة: الحادثة الفظيعة والفضيحة. ولعلّها المرة من الويل. وتستعمل في مقام التعجب، يقال: يا ويلتي.
واتّفق القرّاء على قراءة {يا ويلتا} بفتحة مشبعة في آخره بألف. والألف التي في آخر {يا ويلتا} هنا يجوز كونها عوضاً عن ياء المتكلم في النداء. والأظهر أنها ألف الاستغاثة الواقعة خلَفاً عن لام الاستغاثة. وأصله: يا لَويلة. وأكثر ما تجيء هذه الألف في التعجّب بلفظ عجب، نحو: يا عجباً، وباسم شيء متعجب منه، نحو: يا عشبا...
والاستفهام في {أألد وأنا عجوز} مستعمل في التعجب. وجملة {أنا عجوز} في موضع الحال، وهي مناط التعجب.
والبعل: الزوج. وسيأتي بيانه عند تفسير قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن} في سورة [النّور: 31]، فانظره.
وزادت تقرير التعجب بجملة {إنّ هذا لشيء عجيب} وهي جملة مؤكدة لصيغة التعجب فلذلك فصلت عن التي قبلها لكمال الاتّصال، وكأنّها كانت متردّدة في أنهم ملائكة فلم تطمئنّ لتحقيق بشراهم.
وجملة {هذا بعلي} مركبة من مبتدأ وخبر لأنّ المعنى هذا المشار إليه هو بعلي، أي كيف يكون له ولد وهو كما ترى...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.