{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ }
والقوة : ما يتقوى به الإِنسان على غيره .
وأوى : أى ألجأ وأنضوى تقول : أويت إلى فلان فأنا آوى إليه أَوِيَّا أى : انضممت إليه .
والركن فى الأصل : القطعة من البيت أو الجبل ، والمراد به هنا الشخص القوى الذى يلجأ إلأيه غيره لينتصره به . . .
ولو شرطية وجوابها محذوف ، والتقدير : قال لوط - عليه السلام - بعد أن رأى من قومه الاستمرار فى غيهم ، ولم يقدر على دفعهم - على سبيل التفجع والتحسر : لو أن معى قوة أدفعكم بها لبطشت بكم .
ويجوز أن تكون لو للتمنى فلا تحتاج إلى جواب أى : ليت معى قوة أستطيع بمناصرتها لى دفع شركم .
وقوله { أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ } معطوف على ما قبله ، أو ليتنى أستطيع أن أجد شخصاً قوياً من ذوى المنعة والسلطان أحتمى به منكم ومن تهديكم لى . . .
قالوا : وإنما قال لوط - عليه السلام - ذلك ؛ لأنه كان غريبا عنهم ، ولم يكن له نسب أو عشيرة فيهم .
وأسقط في يد لوط ، وأحس ضعفه وهو غريب بين القوم ، نازح إليهم من بعيد ، لا عشيرة له تحميه ، وليس له من قوة في هذا اليوم العصيب ؛ وانفرجت شفتاه عن كلمة حزينة أليمة :
( قال : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ! ) . .
قالها وهو يوجه كلامه إلى هؤلاء الفتية - الذين جاء الملائكة في صورتهم - وهم صغار صباح الوجوه ؛ ولكنهم - في نظره - ليسوا بأهل بأس ولا قوة . فالتفت إليهم يتمنى أن لو كانوا أهل قوة فيجد بهم قوة . أو لو كان له ركن شديد يحتمي به من ذلك التهديد !
وغاب عن لوط في كربته وشدته أنه يأوي إلى ركن شديد . ركن الله الذي لا يتخلى عن أوليائه . كما قال رسول الله [ ص ] وهو يتلو هذه الآية : " رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد " !
{ قال لو أنّ لي بكم قوة } لو قويت بنفسي على دفعكم . { أو آوي إلى ركن شديد } إلى قوي أبلغ به عنكم . شبهه بركن الجبل في شدته . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد " . وقرئ { أو آوي } بالنصب بإضمار أن كأنه قال : لو أن لي بكم قوة أو أويا وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم روي أنه أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار .
فلما رأى استمرارهم في غيهم وغلبتهم وضعفه عنهم قال - على جهة التفجع والاستكانة - { لو أن لي بكم قوة } و { أن } في موضع رفع بفعل مضمر تقديره : لو اتفق أو وقع ونحو هذا ، - وهذا مطرد في «أن » التابعة ل «لو » - وجواب { لو } محذوف وحذف مثل هذا أبلغ ، لأنه يدع السامعين ينتهي إلى أبعد تخيلاته ، والمعنى لفعلت كذا وكذا .
وقرأ جمهور : «أو آوي » بسكون الياء ، وقرأ شيبة وأبو جعفر : «أو آويَ » بالنصب ، التقدير أو أن آوي ، فتكون «أن » مع «آوي » بتأويل المصدر ، كما قالت ميسون بنت بحدل :
للبس عباءة وتقر عيني ***{[2]}
ويكون ترتيب الكلام لو أن لي بكم قوة أو أوياً{[3]} ، و «أوى » معناه : لجأ وانضوى ، ومراد لوط عليه السلام بال { ركن } العشيرة والمنعة بالكثرة ، وبلغ به قبيح فعلهم إلى هذا - مع علمه بما عند الله تعالى - ، فيروى أن الملائكة وجدت عليه{[4]} حين قال هذه الكلمات ، وقالوا : إن ركنك لشديد ؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي { إلى ركن شديد } ، فالعجب منه لما استكان »{[5]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا نقد لأن لفظ بهذه الألفاظ ، وإلا فحالة النبي صلى الله عليه وسلم وقت طرح سلا الجزور{[6]} ومع أهل الطائف{[7]} وفي غير ما موطن تقتضي مقالة لوط لكن محمداً صلى الله عليه وسلم لم ينطق بشيء من ذلك عزامة منه ونجدة ، وإنما خشي لوط أن يمهل الله أولئك العصابة حتى يعصوه في الأضياف كما أمهلهم فيما قبل ذلك من معاصيهم ، فتمنى ركناً من البشر يعاجلهم به ، وهو يعلم أن الله تعالى من وراء عقابهم ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لم يبعث الله تعالى بعد لوط نبياً إلا في ثروة من قومه »{[8]} أي في منعة وعزة .
جوابه بِ { لَوْ أنّ لي بكم قوة } جواب يائس من ارعوائهم .
و { لو } مستعملة في التمنّي ، وهذا أقصى ما أمكنه في تغيير هذا المنكر .
والباء في { بكم } للاستعلاء ، أي عليكم . يقال : ما لي به قوة وما لي به طاقة . ومنه قوله تعالى : { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت } [ البقرة : 249 ] .
ويقولون : مَا لي بهذا الأمر يَدان ، أي قدرة أو حيلة عليه .
والمعنى : ليت لي قوة أدفعكم بها ، ويريد بذلك قوة أنصار لأنّه كان غريباً بينهم .
ومعنى { أو آوى إلى ركن شديد } أو أعتصم بما فيه مَنعة ، أي بمكان أو ذي سلطان يمنعني منكم .