ويتركهم القرآن على هيئتهم جاثمين ، ليتحدث عن نبيهم صالح الذي كذبوه فيقول : { فتولى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين } .
أى : فأعرض عنهم نبيهم صالح ، ونفض يديه منهم ، وتركهم للمصير الذي جلبوه على أنفسهم ، وأخذ يقول متحسراً على ما فاتهم من الإيمان : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى كاملة غير منقوصة ، ونصحت لكم بالترغيب تارة والترهيب أخرى ، ولكن كان شأنكم الاستمرار على بغض الناصحين وعداوتهم " .
هذا وقد وردت أحاديث تصرح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مر على ديار ثمود المعروفة الآن بمدائن صالح وهو ذاهب إلى تبوك سنة تسع من الهجرة ، فأمر أصحابه أن يدخلوها خاشعين وجلين كراهة أن يصيبهم ما أصاب أهلها ، ونهاهم عن أن يشربوا من مائها
روى الإمام أحمد عن ابن عمر قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستسقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم ، فأمرهم النبى صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم عن البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال : إنى أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فلا تدخلوا عليهم " .
وروى الشيخان عن ابن عمر قال : " لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين . فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوزوا الوادى " .
وهكذا طويت صفحة أخرى من صحائف المكذبين ، وحلت العقوبة بمن كانوا يتعجلونها ويستهزئون بها .
ويدعهم السياق على هيئتهم . . ( جاثمين ) . . ليرسم لنا مشهد صالح الذي كذبوه وتحدوه :
( فتولى عنهم ، وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، ولكن لا تحبون الناصحين )
إنه الإشهاد على أمانة التبليغ والنصح ؛ والبراءة من المصير الذي جلبوه لأنفسهم بالعتو والتكذيب
وهكذا تطوي صفحة أخرى من صحائف المكذبين . ويحق النذير بعد التذكير على المستهزئين .
{ فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } ظاهره أن توليه عنهم كان بعد أن أبصرهم جاثمين ، ولعله خاطبهم به بعد هلاكهم كما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر وقال : " إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا " . أو ذكر ذلك على سبيل التحسر عليهم .
وأخبر الله عز وجل بفعل «صالح » في توليه عنهم وقت «عقرهم » الناقة وقولهم { ائتنا بما تعدنا } وذلك قبل نزول العذاب وكذلك روي أنه عليه السلام خرج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم ، وأما لفظ الآية فيحتمل أن خاطبهم وهم موتى على جهة التفجع عليهم وذكر حالهم أو غير ذلك كما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر ، قال الطبري : وقيل لم تهلك أمة ونبيها معها ، وروي أنه ارتحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات ، ولفظة التولي تقتضي اليأس من خيرهم واليقين في إهلاكهم . وقوله : { لا تحبون الناصحين } عبارة عن تغليبهم الشهوات على الرأي ، إذ كلام الناصح صعب مضاد لشهوة نفس الذي ينصح ، ولذلك تقول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.