المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ} (50)

50- ولقد أرسلنا إلى قوم عَادٍ الأولى أخاً لهم من قبيلتهم هو ( هود ) فقال لهم : يا قوم اعبدوا الله - وحده - إذ ليس لكم مَنْ يستحق العبادة غيره - وما أنتم إلا كاذبون في ادّعائكم أن لله شركاء في استحقاقهم للعبادة ليكونوا شفعاء لكم عند الله{[95]} .


[95]:انظر التعليق العلمي على الآية: 65 من سورة الأعراف.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ} (50)

ثم تابعت السورة الكريمة حديثها عن قصة هود - عليه السلام - مع قومه ، بعد حديثها عن قصة نوح - عليه السلام - مع قومه ، فقال - تعالى - :

{ وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً . . . } .

تلك هى قصة هود - عليه السلام - مع قومه كما حكتها هذه السورة ، وقد وردت قصته معهم فى سور أخرى منها : سورة الأعراف ، والشعراء ، والأحقاف .

وينتهى نسب هود إلى نوح - عليهما السلام - فهو - كما قال بعض المؤرخين - : هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح " .

وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم - ، وكانت مساكنهم بالأحقاف - جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل - ، وهذا المكان يسمى الآن بالربع الخالى جنوب الجزيرة العربية .

وكان قوم هود - عليه السلام - يعبدون الأصنام ، فأرسله الله إليهم لهدايتهم .

ويقال إن هودا - عليه السلام - قد أرسله الله إلى عاد الأولى ، أما عاد الثانية فهم قوم صالح ، وبينهما زهاء مائة سنة .

وقوله - سبحانه - : { وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ . . } معطوف على قصة نوح التى سبق الحديث عنها .

أى : وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده ، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هوداً ، فقال لهم ما قاله كل نبى لقومه : { ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ . . } معطوف على قصة نوح التى سبق الحديث عنها .

أى : وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده ، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هوداً ، فقال لهم ما قاله كل نبى لقومه : { ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ } ووصفه - سبحانه - بأنه { أخاهم } لأنه من قبيلتهم فى النسب ، أو لأنه أخوهم فى الإِنسانية وناداهم بقوله : { ياقوم } زيادة في التلطف معهم ، استجلابا لقلوبهم ، وترضية لنفوسهم ، وجملة { مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ } فى معنى العلة لما قبله .

أى : أنا آمركم بعبادة الله وحده ، لأنه ليس هناك إله آخر يستحق العبادة سواء ، فهو الذى خلقكم ورزقكم ، وهو الذى يحييكم ويميتكم .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } .

والافتراء : الكذب المتعمد الذى لا شبهة لصاحبه فى النطق به .

أى : ما أنتم إلا معتمدون للكذب فى جعلكم الألوهية لغير الله - تعالى - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ} (50)

50

وإلى عاد أخاهم هودا قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . إن أنتم إلا مفترون . يا قوم لا أسألكم عليه أجرا . إن أجري إلا على الذي فطرني . أفلا تعقلون ؟ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ، يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويزدكم قوة إلى قوتكم ، ولا تتولوا مجرمين . .

وكان هود من عاد . فهو أخوهم . واحد منهم ، تجمعه - كانت - آصرة القربى العامة بين أفراد القبيلة الواحدة . وتبرز هذه الآصرة هنا في السياق ، لأن من شأنها أن تقوم الثقة والتعاطف والتناصح بين الأخ وإخوته ، وليبدو موقف القوم من أخيهم ونبيهم شاذا ومستقبحا ! ثم لتقوم المفاصلة في النهاية بين القوم وأخيهم على أساس افتراق العقيدة . ويبرز بذلك معنى انقطاع الوشائج كلها حين تنقطع وشيجة العقيدة . لتتفرد هذه الوشيجة وتبرز في علاقات المجتمع الإسلامي ، ثم لكي تتبين طبيعة هذا الدين وخطه الحركي . . فالدعوة به تبدأ والرسول وقومه من أمة واحدة تجمع بينه وبينها أواصر القربى والدم والنسب والعشيرة والأرض . . . ثم تنتهي بالافتراق وتكوين أمتين مختلفتين من القوم الواحد . . أمة مسلمة وأمة مشركة . . وبينهما فرقة ومفاصلة . . وعلى أساس هذه المفاصلة يتم وعد الله بنصر المؤمنين وإهلاك المشركين . ولا يجيى ء وعد الله بهذا ولا يتحقق إلا بعد أن تتم المفاصلة ، وتتم المفارقة ، وتتميز الصفوف ، وينخلع النبي والمؤمنون معه من قومهم ، ومن سابق روابطهم ووشائجهم معهم ، ويخلعوا ولاءهم لقومهم ولقيادتهم السابقة ، ويعطوا ولاءهم كله لله ربهم ولقيادتهم المسلمة التي دعتهم إلى الله وإلى الدينونة له وحده وخلع الدينونة للعباد . . وعندئذ فقط - لا قبله - يتنزل عليهم نصر الله . .

( وإلى عاد أخاهم هودا ) . .

أرسلناه إليهم كما أرسلنا نوحا إلى قومه في القصة السابقة .

( قال : يا قوم ) . .

بهذا التودد ، والتذكير بالأواصر التي تجمعهم ، لعل ذلك يستثير مشاعرهم ويحقق اطمئنانهم إليه فيما يقول . فالرائد لا يكذب أهله ، والناصح لا يغش قومه .

( قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) . .

القولة الواحدة التي جاء بها كل رسول وكانوا قد انحرفوا - كما أسلفنا - عن عبادة الله الواحد التي هبط بها المؤمنون مع نوح من السفينة . ولعل أول خطوة في هذا الانحراف كانت هي تعظيم ذكرى الفئة المؤمنة القليلة التي حملت في السفينة مع نوح ! ثم تطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل فإذا أرواحهم المقدسة تتمثل في أشجار وأحجار نافعة ؛ ثم تتطور هذه الأشياء فإذا هي معبودات ، وإذا وراءها كهنة وسدنة يعبدون الناس للعباد منهم باسم هذه المعبودات المدعاة - في صورة من صور الجاهلية الكثيرة . ذلك أن الانحراف خطوة واحدة عن نهج التوحيد المطلق . الذي لا يتجه بشعور التقديس لغير الله وحده ولا يدين بالعبودية إلا الله وحده . . الانحراف خطوة واحدة لا بد أن تتبعه مع الزمن خطوات وانحرافات لا يعلم مداها إلا الله .

على أية حال لقد كان قوم هود مشركين لا يدينون لله وحده بالعبودية ، فإذا هم يدعوهم تلك الدعوة التي جاء بها كل رسول :

( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) . . ( إن أنتم إلا مفترون ) . .

مفترون فيما تعبدونه من دون الله ، وفيما تدعونه من شركاء لله .

/خ60

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ} (50)

{ وإلى عاد أخاهم هودا } عطف على قوله { نوحا إلى قومه } و{ هودا } عطف بيان { قال يا قوم اعبدوا الله } وحده . { ما لكم من إله غيره } وقرئ بالجر حملا على المجرور وحده . { إن أنتم إلا مفترون } على الله باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء .