اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ} (50)

قوله تعالى : { وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } القصَّةُ : معطوفان على قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ } [ هود : 25 ] في عطف مرفوع على مرفوع ومجرور ، كقولك : ضرب زيدٌ عمراً ، وبكرٌ خالداً وليس من باب ما فُصِل فيه بين حرفِ العطفِ والمعطوفِ بالجارِّ والمجرور نحو : " ضَرَبْتُ زيداً ، وفي السُّوق عَمْراً " فيجيءُ الخلافُ المشهورُ .

وقيل : بل هو على إضمار فعلٍ ، أي : وأرْسَلْنَا هوداً ، وهذا أوفق لطولِ الفصلِ .

و " هوداً " بدلٌ أو عطفُ بيان لأخيهم .

وقرأ ابنُ{[18836]} محيصنٍ " يَا قَوْمُ " بضم الميم ، وهي لغةُ بعضهم يبنُون المضاف للياء على الضَّم كقوله تعالى : { قَالَ رَبِّ احكم } [ الأنبياء : 112 ] بضمِّ الياء ، ولا يجوز أن يكون غير مضافٍ للياءِ كما سيأتي في موضعه إن شاء الله .

وقوله : { مِّنْ إله غَيْرُهُ } تقدّم في الأعراف .

فصل

كان هود أخاهم في النسب لا في الدِّين ؛ لأنه كان من قبيلةِ عادٍ ، وهم قبيلةٌ من العربِ بناحية اليمنِ ، كما يقالُ للرَّجُلِ : يا أخا تميم ، ويا أخا سليمٍ ، والمرادُ رجلٌ منهم .

فإن قيل : إنَّه تعالى قال في ابن نُوح { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [ هود : 46 ] فبيَّن أنَّ قرابة النَّسبِ لا تفيدُ إذا لم تَحْصُلْ قرابةُ الدِّين ، وههنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدِّين ، فما الفرقُ بينهما ؟ .

فالجوابُ : أنَّ المراد من هذا الكلام استمالة قوم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّ قومهُ كانُوا يستبعدُون في محمدٍ صلى الله عليه وسلم مع أنَّهُ واحدٌ من قبيلتهم أن يكون رسولاً إليهم من عند الله ، فذكر الله تعالى أنَّ هوداً كان واحداً من عاد ، وأنَّ صالحاً كان واحداً من ثمود ، لإزالة هذا الاستبعاد .

{ قَالَ يَا قَوْمِ اعبدوا الله } [ الأعراف : 65 ] وحدُوا الله ، ولا تعبدُوا غيرهُ .

فإن قيل : كيف دعاهم إلى عبادةِ قبل إقامةِ الدَّلالة على ثبوت الإله تعالى ؟ .

فالجواب : أنَّ دلائل ثُبوتِ وجود الله تعالى ظاهرة ، وهي دلائلُ الآفاق والأنفس ، وقلَّما تُوجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله ؛ ولذلك قال تبارك وتعالى في صفة الكفار : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ لقمان : 25 ] .

ثم قال : " إنْ أنتُمْ " ما أنتم " إلاَّ مُفْتَرُونَ " كاذبُون في إشراككم .


[18836]:ينظر: المحرر الوجيز 3/179، والبحر المحيط 5/232 والدر المصون 4/106.