وقد رد الله - تعالى - على هؤلاء الجاهلين المغرورين بقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } .
و { وَكَمْ } هنا خبرية ، ومعناها الاخبار عن العدد الكثير وهى فى محل نصب على المفعول به لجملة { أَهْلَكْنَا } و { مِّن قَرْنٍ } تمييز لها . والقرن : اسم لأهل كل أمة تتقدم فى الوجود على غيرها ، مأخوذ من قرن الدابة لتقدمه فيها .
و { أَثَاثاً } المتاع للبيت . وقيل : هو الجديد من الفراش ، وقد يطلق على المال بصفة عامة .
و { وَرِءْياً } أى : منظرا وهيئة ومرأى فى العين مأخوذ من الرؤية التى تراها العين .
والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين المتباهين بمساكنهم ومجالسهم : لا تفتخروا ولا يغرنكم ما أنتم فيه من نعيم ، فإنما هو نوع من الاستدراج ، فإن الله - تعالى - قد أهلك كثيرا من الأمم السابقة عليكم ، كانوا أحسن منكم متاعا وزينة ، وكانوا أجمل منكم منظرا وهيئة فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم ومظهرهم الحسن ، عندما أراد الله - تعالى - إهلاكهم بسبب كفرهم وجحودهم .
فالآية الكريمة تهديد للكافرين المعاصرين للنبى - صلى الله عليه وسلم - ورد على أقوالهم الباطلة ، وعنجهيتهم الذميمة إذا لو كانت المظاهر والأمتعة والهيئات الحسنة تنفع أصحابها ، لنفعت أولئك المهلكين من الأمم السابقة .
وشبيه بهذه الآية فى الرد على هؤلاء الكافرين قوله - تعالى - : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ } وقوله - سبحانه - : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }
ويعقب السياق على قولة الكفار التياهين ، المتباهين بما هم فيه من مقام وزينة بلمسة وجدانية ترجع القلب إلى مصارع الغابرين ، على ما كانوا فيه من مقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين :
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا . .
فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم وزينتهم ومظهرهم . ولم يعصمهم شيء من الله حين كتب عليهم الهلاك .
ألا إن هذا الإنسان لينسى . ولو تذكر وتفكر ما أخذه الغرور بمظهر ؛ ومصارع الغابرين من حوله تلفته بعنف وتنذره وتحذره ، وهو سادر فيما هو فيه ، غافل عما ينتظره مما لقيه من كانوا قبله وكانوا أشد قوة وأكثر أموالا وأولادا .
أي : وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم ، { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا } أي : كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا .
[ و ]{[19088]} قال الأعمش ، عن أبي ظَبْيَان ، عن ابن عباس : { خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } قال : المقام : المنزل ، والندي : المجلس ، والأثاث : المتاع ، والرئي : المنظر .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : المقام : المسكن ، والندي : المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها ، وهو كما قال الله لقوم فرعون حين{[19089]} أهلكهم وقص شأنهم في القرآن : { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ{[19090]} وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ الدخان : 25 ، 26 ] ، فالمقام : المسكن والنعيم ، والندي : المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه ، وقال [ الله ]{[19091]} فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط{[19092]} : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ } [ العنكبوت : 29 ] ، والعرب تسمي المجلس : النادي .
وقال قتادة : لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة ، وفيهم قشافة ، تَعَرّض{[19093]} أهل الشرك بما تسمعون{[19094]} : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } وكذا قال مجاهد ، والضحاك .
ومنهم من قال في الأثاث : هو المال . ومنهم من قال : المتاع . ومنهم من قال : الثياب ، والرئي : المنظر كما قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد .
وقال الحسن البصري : يعني الصور ، وكذا قال مالك : { أَثَاثًا وَرِئْيًا } : أكثر أموالا وأحسن صورًا . والكل متقارب صحيح .
جملة { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } خطاب من الله لرسوله . وقد أهلك الله أهل قرون كثيرة كانوا أرفه من مشركي العرب متاعاً وأجمل منهم منظراً . فهذه الجملة معترضة بين حكاية قولهم وبين تلقين النبي صلى الله عليه وسلم ما يجيبهم به عن قولهم ، وموقعها التهديد وما بعدها هو الجواب .
والأثاث : متاع البيوت الذي يُتزين به ، و { رئياً } قرأه الجمهور بهمزة بعد الراء وبعد الهمزة ياء على وزن فِعْل بمعنى مفعول كذبِح ، من الرؤية ، أي أحسن مَرِئيّاً ، أي منظراً وهيئة .
وقرأه قالون عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر « رِيّاً » بتشديد الياء بلا همزة إما على أنّه من قلب الهمزة ياء وإدغامها في الياء الأخرى ، وإما على أنّه من الرِيّ الذي هو النعمة والترفه ، من قولهم : ريّان من النّعيم . وأصله من الريّ ضد العطش ، لأنّ الريّ يستعار للتنعم كما يستعار التلهّف للتألّم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.