ثم ختم هذا الكافر محاورته لصاحبه بقوله : { وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } أى : كائنة ومتحققة . فهو قد أنكر البعث وما يترتب عليه من حساب بعد إنكاره لفناء جنته ، ثم أكد كلامه بجملة قسمية فقال : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي } أى : والله لئن رددت إلى ربى على سبيل الفرض والتقدير كما أخبرتنى يا صاحبى بأن هناك بعثا وحسابا { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا } أى : من هذه الجنة { منقلبا } أى : مرجعاً وعاقبة . اسم مكان من الانقلاب بمعنى الرجوع والانصراف عن الشئ إلى غيره .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - :
{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً }
{ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }
والمتدبر لحال صاحب الجنتين يراه ، - أولا - قد زعم أن مدار التفاضل هو الثروة والعشيرة ، ويراه - ثانيا - قد بنى حياته على الغرور والبطر ، واعتقاد الخلود لزينة الحياة الدنيا ، ويراه - ثالثاً - قد أنكر البعث والحساب ، والثواب والعقاب .
ويراه - رابعا - قد توهم أن غناه فى الدنيا سيكون معه مثله فى الآخرة :
قال صاحب الكشاف : " وأخبر عن نفسه بالشك فى بيدودة جنته ، لطول أمله ، واستيلاء الحرص عليه ، وتمادى غفلته ، واغتراره بالمهلة ، واطراحه النظر فى عواقب أمثاله ، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين ، وإن لم يطلقوا بمثل هذا ألسنتهم ، فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به ، منادية عليه .
وأقسم على أنه إن رد إلى ربه - على سبيل الفرض والتقدير - ليجدن فى الآخرة خيراً من جنته فى الدنيا ، تطمعا وتمنيا على الله . . " .
أنكر قيام الساعة أصلا ، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار ! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنابه ملحوظا في الآخرة !
( وما أظن الساعة قائمة . ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) !
إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء ، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى ! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظا !
{ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا } أي : ولئن كان معاد ورجعة وَمَرَدٌّ إلى الله ، ليكونَنّ لي هناك أحسن من هذا لأني مُحظى{[18179]} عند ربي ، ولولا كرامتي{[18180]} عليه ما أعطاني هذا ، كما قال في الآية الأخرى : { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } [ فصلت : 50 ] ، وقال { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا } [ مريم : 77 ] أي : في الدار الآخرة ، تألى على الله ، عز وجل ، وكان سبب نزولها في العاص بن وائل ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .
{ وما أظن الساعة قائمة } كائنة . { ولئن رُددت إلى ربي } بالبعث كما زعمت . { لأجدنّ خيرا منها } من جنته ، وقرأ الحجازيان والشامي " منهما " أي من الجنتين . { منقلباً } مرجعا وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية ، وإنما أقسم على ذلك لاعتقاده أنه تعالى إنما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه أينما تلقاه .
ثم قاس أيضاً الآخرة على الدنيا ، وظن أنه لم يمل{[1]} له في دنياه إلا لكرامة يستوجبها في نفسه ، قال : فإن كان ثم رجوع كما يزعم فستكون حالي كذا وكذا ، وليست مقالة العاصي بن وائل لخباب على حد هذه ، بل قصد العاصي الاستخفاف على جهة التصميم على التكذيب وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وابن الزبير ، وثبت في مصاحف المدينة «منهما » يريد الجنتين المذكورتين أولاً ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والعامة ، وكذلك هو مصحف أهل البصرة «منها » يريد الجنة المدخولة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.