ثم بين - سبحانه - مظاهر إبطاله لكيدهم فقال : { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } .
والطير : اسم جمع لكل ما من شأنه أن يطير فى الهواء ، وتنكيره للتنويع والتهويل ، والأبابيل : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، وقيل : هو جمع إِبَّالة ، وهى حزمة الحطب الكبيرة ، شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامنها وتلاصقها .
أى : لقد جعل الله - تعالى - كيد هؤلاء المعتدين فى تضييع وتخسير . . بأن أرسل إليهم جماعات عظيمة من الطير ، أتتهم من كل جانب فى تتابع ، فكانت سببا فى إهلاكهم والقضاء عليهم . { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } ، وجملة : { ترميهم بحجارة من سجيل } بيان لما فعلته تلك الطيور بإذن الله - تعالى - ، وهى حال من قوله { طيرا } ، والسجيل : الطين اليابس المتحجر .
وقوله : { وأرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا أبابِيلَ } يقول تعالى ذكره : وأرسل عليهم ربك طيرا متفرّقة ، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى ، وهي جماع لا واحد لها ، مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك . وزعم أبو عُبيدة معمر بن المثنى ، أنه لم ير أحدا يجعل لها واحدا . وقال الفرّاء : لم أسمع من العرب في توحيدها شيئا . قال : وزعم أبو جعفر الرّؤَاسِيّ ، وكان ثقة ، أنه سمع أن واحدها : إبالة . وكان الكسائي يقول : سمعت النحويين يقولون : إبول ، مثل العجول . قال : وقد سمعت بعض النحويين يقول : واحدها : أبيل .
وبنحو الذي قلنا في الأبابيل قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سوّار بن عبد الله ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زرّ ، عن عبد الله ، في قوله : { طَيْرا أبابِيلَ } قال : فرق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا حماد بن سَلمَة ، عن عاصم ، عن زِرّ ، عن عبد الله ، قال : الفِرَق .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { طَيْرا أبابِيلَ } قال : يتبع بعضُها بعضا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَأرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا أبابِيلَ } قال : هي التي يتبع بعضُها بعضا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، أنه قال في : { طَيْرا أبابِيلَ } قال : هي الأقاطيع ، كالإبل المؤَبّلة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُمّيّ ، عن جعفر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى { طَيْرا أبابِيلَ } قال : متفرّقة .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا الفضل ، عن الحسن { طَيْرا أبابِيلَ } قال : الكثيرة .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن ابن سابط ، عن أبي سلمة ، قالا : الأبابيل : الزّمَر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { أبابِيلَ } قال : هي شتى متتابعة مجتمعة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : الأبابيل : الكثيرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : الأبابيل : الكثيرة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { طَيْرا أبابِيلَ } يقول : متتابعة . بعضُها على أَثَرَ بعض .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { طَيْرا أبابِيلَ } قال : الأبابيل : المختلفة ، تأتي من ها هنا ، وتأتي من ها هنا ، أتتهم من كلّ مكان .
وذُكر أنها كانت طيرا أُخرجت من البحر . وقال بعضهم : جاءت من قِبَل البحر .
ثم اختلفوا في صفتها ، فقال بعضهم : كانت بيضاء . وقال آخرون : كانت سوداء . وقال آخرون : كانت خضراء ، لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكفّ كأكفّ الكلاب :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، في قوله : { طَيْرا أَبَابِيلَ } قال : قال ابن عباس : هي طير ، وكانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكفّ كأكفّ الكلاب .
حدثني الحسن بن خَلف الواسطيّ ، قال : حدثنا وكيع ورَوْح بن عبادة ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن عون ، عن ابن عباس ، نحوه .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حسين ، عن عكرِمة ، في قوله : { طَيْرا أبابِيلَ } قال : كانت طيرا خُضْرا ، خرجت من البحر ، لها رؤوس كرؤوس السباع .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عُمير { طَيْرا أبابِيلَ } قال : هي طير سُود بَحْرية ، في مناقرها وأظفارها الحجارة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير : { طَيْرا أبابِيلَ } قال : سُود بَحْرية ، في أظافيرها ومناقيرها الحجارة .
قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن عبد الله بن عون ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس قال : لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكفّ كأكفّ الكلاب .
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعيّ ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : { طَيْرا أبابِيلَ } قال : طير خُضْر ، لها مناقير صُفْر ، تختلف عليهم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير ، قال : طيرا سودا تحمل الحجارة في أظافيرها ومناقيرها .
و «الأبابيل » : جماعات تجيء شيئاً بعد شيء ، قال أبوعبيدة : لا واحد له من لفظه ، وهذا هو الصحيح ، لا ما تكلفه بعض النحاة ، وقال [ معبد بن أبي معبد الخزاعي ] : [ البسيط ]
كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سارت الأرض بالجرد الأبابيل{[11987]}
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني متتابعة كلها تترى بعضها على إثر بعض . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وأرسل عليهم ربك طيرا متفرّقة ، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جماعات متفرقة جماعة جماعة ، وهكذا السنة في الخروج لمحاربة أعداء الله تعالى أن يخرجوا جماعة جماعة . وقيل : هي طير ، لم ير قبلها ولا بعدها مثلها ...
{ وأرسل عليهم طيرا أبابيل } سؤالات :
السؤال الأول : لم قال : { طيرا } على التنكير ؟
( والجواب ) : إما للتحقير فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر ، أو للتفخيم كأنه يقول : طيرا وأي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل .
( الجواب ) أما أهل اللغة قال أبو عبيدة : أبابيل جماعة في تفرقة ، يقال : جاءت الخيل أبابيل أبابيل من ههنا وههنا ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وأرسل } وبين أنه إرسال عذاب بقوله : { عليهم } أي خاصة من بين من كان هناك من كفار العرب ، وأشار إلى تحقيرهم وتخسيسهم عن أن يعذبهم بشيء عظيم ، لكونهم عظموا أنفسهم ، وتجبروا على خالقهم بالقصد القبيح لبيته ، فقال تعالى معلماً بأنه سلط عليهم ما لا يقتل مثله في العادة : { طيراً } وهو اسم جمع يذكر على اللفظ ، ويؤنث على المعنى ، وقد يقع على الواحد ، ولذلك قال مبيناً الكثرة : { أبابيل } أي جماعات كثيرة جداً ،...