اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ} (3)

قوله : { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } .

قال النحاة : «أبابيل » نعت ل «طير » ؛ لأنه اسم جمع .

وأبابيل : قيل : لا واحد له ، كأساطير وعناديد .

وقيل : واحده : «إبَّول » ك «عِجَّول » .

وقيل : «إبَّال » ، وقيل : «إبِّيل » مثل سكين .

وحكى الرقاشيّ : «أبابيل » جمع «إبَّالة » بالتشديد .

وحكى الفرَّاء : «إبالة » مخففة .

فصل في لفظ «أبابيل »

الأبابيل : الجماعات شيئاً بعد شيء ؛ قال : [ الطويل ]

5309- طَريقٌ وجبَّارٌ رِوَاءٌ أصُولهُ *** عَليْهِ أبَابيلٌ من الطَّيْرِ تَنعَبُ{[60861]}

وقال آخر : [ البسيط ]

5310- كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الأصواتِ رَاحِلَتِي*** إذْ سَالتِ الأرضُ بالجُرْدِ الأبابيلِ{[60862]}

قال أبو عبيدة : أبابيل : جماعات في تفرقة ، يقال : جاءت الطير أبابيل من هاهنا ، وهاهنا .

قال سعيد بن جبير : كانت طيراً من السَّماء لم ير مثلها{[60863]} .

وروى الضحاك عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنَّهَا طَيْرٌ بَينَ السَّماءِ والأرضِ تُعَشِّشُ وتُفرِّخُ » .

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - كان لها خراطيم كخراطيم الفيلة ، وأكفّ كأكفّ الكلاب{[60864]} .

وقال عكرمة : كانت طيراً خضراً خرجت من البحر ، لها رُءُوس كرءوس السِّباع ، ولم تر قبل ذلك ، ولا بعده{[60865]} .

وقالت عائشة - رضي الله عنها - : هي أشبه شيء بالخطاطيف{[60866]} .

[ وقيل : إنها أشبه بالوطاويط ] .

وقيل : إنها العنقاء التي يضرب بها الأمثال .

قال النحاس : وهذه الأقوال متفقة المعنى ، وحقيقة المعنى : أنها جماعات عظام ، يقال : فلان يؤبل على فلان ، أي : يعظم عليه ويكثر ، وهو مشتقّ من الإبل .

قال ابن الخطيب{[60867]} : هذه الآية ردّ على الملحدين جدًّا ؛ لأنهم ذكروا في الزَّلازل ، والرياح ، والصواعق ، والخسف ، وسائر الأشياء التي عذب الله - تعالى - بها الأمم أعذاراً ضعيفة ، أما هذه الواقعة ، فلا يجري فيها تلك الأعذار ، وليس في شيء من الطَّبائع والحيل أن يعهد طير معها حجارة ، فيقصد قوماً دون قوم فيقتلهم ، ولا يمكن أن يقال : إنه كسائر الأحاديث الضعيفة ؛ لأنه لم يكن بين عام الفيل ، ومبعث الرسول إلا نيفاً وأربعين سنة ، ويوم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، كان قد بقي جمع شاهدوا تلك الواقعة ، فلا يجري فيها تلك الأعذار ، ولو كان النقل ضعيفاً لكذبوه ، فعلمنا أنه لا سبيل للطَّعن فيها .


[60861]:البيت للأعشى، ينظر ديوانه 11، والقرطبي 20/134، ومجمع البيان 10/825، والبحر 8/511، والدر المصون 6/134.
[60862]:ينظر القرطبي 20/134، والبحر 8/511، والدر المصون 6/ 550.
[60863]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/342)، والقرطبي (20/134).
[60864]:ينظر المصدر السابق وقد ذكراه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس.
[60865]:ينظر المصدر السابق.
[60866]:ينظر المصدر السابق.
[60867]:سقط من: ب.