وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس قال : كان من حديث أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم الحبشي كان ملك اليمن ، وإن ابن ابنته أكسوم بن الصباح الحميريّ خرج حاجاً ، فلما انصرف من مكة نزل في كنيسة بنجران فغدا عليها ناس من أهل مكة فأخذوا ما فيها من الحليّ وأخذوا متاع أكسوم ، فانصرف إلى جده مغضباً ، فبعث رجلاً من أصحابه يقال له شهر بن معقود على عشرين ألفاً من خولان والأشعريين ، فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم ، فتنحت خثعم عن طريقهم ، فلما دنا من الطائف خرج إليه ناس من بني خثعم ونصر وثقيف فقالوا : ما حاجتك إلى طائفنا ، وإنما هي قرية صغيرة ، ولكنا ندلك على بيت بمكة يعبد وحرز من لجأ إليه من ملكه تم له ملك العرب ، فعليك به ودعنا منك ، فأتاه حتى إذا بلغ المغمس وجد إبلاً لعبد المطلب مائة ناقة مقلدة فانتهبها بين أصحابه ، فلما بلغ ذلك عبد المطلب جاءه ، وكان جميلاً ، وكان له صديق من أهل اليمن يقال له ذو عمرو ، فسأله أن يرد عليه إبله ، فقال : إني لا أطيق ذلك ، ولكن إن شئت أدخلتك على الملك ، فقال عبد المطلب : افعل . فأدخله عليه فقال له : إن لي إليك حاجة . قال : قضيت كل حاجة تطلبها . قال : أنا في بلد حرام وفي سبيل بين أرض العرب وأرض العجم ، وكانت مائة ناقة لي مقلدة ترعى بهذا الوادي بين مكة وتهامة عليها عير أهلها ، وتخرج إلى تجارتنا ، وتتحمل من عدوّنا ، عدا عليها جيشك فأخذوها ، وليس مثلك يظلم من جاوره . فالتفت إلى ذي عمرو ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجباً فقال : لو سألني كل شيء أحوزه أعطيته إياه ، أما إبلك فقد رددنا إليك ومثلها معها ، فما يمنعك أن تكلمني في بنيتكم هذه وبلدكم هذه . فقال له عبد المطلب : أما بنيتنا هذه وبلدنا هذه فإن لهما رباً إن شاء أن يمنعهما منعهما ، ولكني إنما أكلمك في مالي ، فأمر عند ذلك بالرحيل ، وقال : لتهدمن الكعبة ولتنهبن مكة ، فانصرف عبد المطلب وهو يقول :
لا همّ إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك *** لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدواً محالك
فإذا فعلت فربما تحمى فأمر ما بدا لك *** فإذا فعلت فإنه أمر تتم به فعالك
وغدوا غداً بجموعهم والفيل كي يسبوا عيالك *** فإذا تركتهم وكعبتا فوا حرباً هنالك
فلما توجه شهر وأصحاب الفيل ، وقد أجمعوا ما أجمعوا ، طفق كلما وجهوه أناخ وبرك ، فإذا صرفوه عنها من حيث أتى أسرع السير ، فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل ، وخرجت عليهم طير من البحر لهم خراطيم كأنها البلس شبيهة بالوطواط حمر وسود ، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أيديهم ، فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق تقع على رأس الرجل فتخرج من جوفه ، فلما أصبحوا من الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم ، فلم يروا أحداً غشيهم ، فبعث ابنه على فرس له سريع ينظر ما لقوا ، فإذا هم مشدخين جميعاً ، فرجع يرفع رأسه كاشفاً عن فخذه ، فلما رأى ذلك أبوه قال : إن ابني أفرس العرب ، وما كشف عن فخذه إلا بشيراً أو نذيراً ، فلما دنا من ناديهم قالوا : ما وراءك ؟ قال : هلكوا جميعاً . فخرج عبد المطلب وأصحابه ، فأخذوا أموالهم ، وقال عبد المطلب شعراً في المعنى :
أنت منعت الجيش والأفيالا *** وقد رعوا بمكة الأفيالا
وقد خشينا منهم القتالا *** وكل أمر منهم معضالا
شكراً وحمداً لك ذا الجلالا *** . . .
فانصرف شهر هارباً وحده ، فأول منزل نزله سقطت يده اليمنى ، ثم نزل منزلاً آخر فسقطت رجله اليمنى ، فأتى منزله وقومه وهو جسد لا أعضاء له ، فأخبرهم الخبر ثم فاضت نفسه وهم ينظرون .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن عباس قال : جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح ، فأتاهم عبد المطلب فقال : إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحد . قالوا : لا نرجع حتى نهدمه ، وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر ، فدعا الله الطير الأبابيل ، فأعطاها حجارة سوداً عليهم الطين ، فلما حاذتهم رمتهم ، فما بقي منه أحد إلا أخذته الحكة ، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه .
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال : أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب ، فقال لملكهم : ما جاء بك إلينا ؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت ؟ فقال : أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن ، فجئت أخيف أهله ، فقال : إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع ، فأبى أن يرجع إلا أن يدخله ، وانطلق يسير نحوه وتخلف عبد المطلب ، فقام على جبل فقال : لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله . ثم قال :
اللهم إن لكل إله حلالاً فامنع حلالك
فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طيراً أبابيل التي قال الله { ترميهم بحجارة من سجيل } فجعل الفيل يعج عجاً ، فجعلهم كعصف مأكول .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } قال : أقبل أبرهة الأشرم بالحبشة ومن تبعه من غواة أهل اليمن إلى بيت الله ليهدموه من أجل بيعة لهم أصابها العرب بأرض اليمن ، فأقبلوا بفيلهم حتى إذا كانوا بالصفاح فكانوا إذا وجهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه إلى الأرض ، فإذا وجهوه قبل بلادهم انطلق وله هرولة ، حتى إذا كانوا ببجلة اليمانية بعث الله عليهم طيراً أبابيل بيضاً وهي الكبيرة ، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله كعصف مأكول ، فنجا أبو يكسوم ، فجعل كلما نزل أرضاً تساقط بعض لحمه ، حتى إذا أتى قومه فأخبرهم الخبر ثم هلك .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } قال : أبو يكسوم جبار من الجبابرة جاء بالفيل يسوقه معه الحبش ليهدم - زعم - بيت الله من أجل بيعة كانت هدمت باليمن ، فلما دنا الفيل من الحرم ضرب بجرانه ، فإذا أرادوا به الرجعة عن الحرم أسرع الهرولة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : أقبل أبو يكسوم صاحب الحبشة ومعه الفيل ، فلما انتهى إلى الحرم برك الفيل فأبى أن يدخل الحرم ، فإذا وجه راجعاً أسرع راجعاً ، وإذا ارتد على الحرم أبى ، فأرسل الله عليهم طيراً صغاراً بيضاً في أفواهها حجارة أمثال الحمص ، لا تقع على أحد إلا هلك .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح ، فأتاهم عبد المطلب فقال : إن هذا بيت لم يسلط عليه أحد . قالوا : لا نرجع حتى نهدمه ، وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر ، فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطين ، فلما حاذت بهم صفت عليهم ثم رمتهم ، فما بقي منهم أحد إلا أصابته الحكة . وكانوا لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط جلده .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : لما أرسل الله الحجارة على أصحاب الفيل جعل لا يقع منها حجر إلا سقط ، وذلك ما كان الجدري ، ثم أرسل الله سيلاً فذهب بهم فألقاهم في البحر . قيل : فما الأبابيل ؟ قال : الفرق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود { طيراً أبابيل } قال : هي الفرق .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن ابن عباس { طيراً أبابيل } قال : فوجاً بعد فوج ، كانت تخرج عليهم من البحر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله : { طيراً أبابيل } قال : خضر لها خراطيم كخراطيم الإِبل ، وأنف كأنف الكلاب .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { طيراً أبابيل } قال : لها أكفّ كأكفّ الرجل وأنياب كأنياب السباع .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن عبيد بن عمير الليثي قال : لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث الله عليهم طيراً نشأت من البحر كأنها الخطاطيف ، بكف كل طير منها ثلاثة أحجار مجزعة : في منقاره حجر ، وحجران في رجليه ، ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم ، ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها ، فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر ، وبعث الله ريحاً شديداً فضربت أرجلها فزادها شدة فأهلكوا جميعاً .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عكرمة { طيراً أبابيل } قال : طير بيض ، وفي لفظ : خضر ، جاءت من قبل البحر كأن وجوهها وجوه السباع ، لم تر قبل ذلك ولا بعده ، فأثرت في جلودهم مثل الجدري ، فإنه أول ما رؤي الجدري .
وأخرج ابن المنذر عن أبي الكنود { ترميهم بحجارة من سجيل } قال : دون الحمصة وفوق العدسة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عمران { طيراً أبابيل } قال : طير كثيرة جاءت بحجارة كثيرة ، أكبرها مثل الحمصة ، وأصغرها مثل العدسة .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : { ترميهم بحجارة من سجيل } قال : بحجارة مثل البندق ، وبها نضح حمرة مختمة ، مع كل طائر ثلاثة أحجار : حجران في رجليه ، وحجر في منقاره ، حلقت عليهم من السماء ، ثم أرسلت تلك الحجارة عليهم ، فلم تعد عسكرهم .
وأخرج أبو نعيم عن نوفل بن معاوية الديلمي قال : رأيت الحصى التي رمي بها أصحاب الفيل : حصى مثل الحمص ، وأكبر من العدس ، حمر مختمة كأنها جزع ظفار .
وأخرج أبو نعيم عن حكيم بن حزام قال : كانت في المقدار من الحمصة والعدسة حصى به نضح أحمر مختمة كالجزع ، فلولا أنه عذب به قوم أخذت منه ما اتخذه لي مسجداً ، وهي بمكة كثير .
وأخرج أبو نعيم عن أم كرز الخزاعية قالت : رأيت الحجارة التي رمي بها أصحاب الفيل حمراً مختمة كأنها جزع ظفار ، فمن قال غير ذلك فلم ير منها شيئاً ، ولم يصبهم كلهم ، وقد أفلت منهم .
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال : جاؤوا بفيلين ، فأما محمود فربض ، وأما الآخر فشجع فحصب .
وأخرج أبو نعيم عن عطاء بن يسار قال : حدثني من كلم قائد الفيل وسائسه ، قال لهما : أخبراني خبر الفيل ، قالا : أقبلنا به وهو فيل الملك النجاشي الأكبر ، لم يسر به قط إلى جمع إلا هزمهم ، فلما دنا من الحرم جعلنا كلما نوجهه إلى الحرم يربض ، فتارة نضربه فيهبط ، وتاره نضربه حتى نمل ثم نتركه ، فلما انتهى إلى المغمس ربض فلم يقم ، فطلع العذاب . فقلنا : نجا غيركما ؟ قالا : نعم . ليس كلهم أصابه العذاب . وولى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده ، كلما دخلوا أرضاً وقع منهم عضو ، حتى انتهوا إلى بلاد خثعم ، وليس عليه غير رأسه فمات .
وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس أن أبرهة الأشرم قدم من اليمن يريد هدم الكعبة ، فأرسل الله عليهم { طيراً أبابيل } يريد مجتمعة لها خراطيم تحمل حصاة في منقارها وحصاتين في رجليها ، ترسل واحدة على رأس الرجل فيسيل لحمه ودمه ، وتبقى عظاماً خاوية لا لحم عليه ولا جلد ولا دم .
وأخرج أبو نعيم عن عثمان بن عفان أنه سأل رجلاً من هذيل قال : أخبرني عن يوم الفيل ، فقال : بعثت يوم الفيل طليعة على فرس لي أنثى ، فرأيت طيراً خرجت من الحرم في كل منقار طير منها حجر ، وفي رجل كل طير منها حجر ، وهاجت ريح وظلمة حتى قعدت بي فرسي مرتين ، فمسحتهم مسحة كلفته كرداك ، وانجلت الظلمة ، وسكنت الريح . قال : فنظرت إلى القوم خامدين .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن أبي صالح أنه رأى عند أم هانىء بنت أبي طالب من تلك الحجارة نحواً من قفيز مخططة بحمرة ، كأنها جزع ظفار ، مكتوب في الحجر اسمه واسم أبيه .