21- يا أيها الذين آمنوا حصِّنوا أنفسكم بالإيمان ، ولا تسيروا وراء الشيطان الذي يجركم إلي إشاعة الفاحشة والمعاصي بينكم . ومن يتبع الشيطان فقد عصى ، لأنه يأمر بكبائر الذنوب وقبائح المعاصي ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم ببيان الأحكام وقبول توبة العصاة ما طهر أحد منكم من دنس العصيان . ولكن الله يطهر من يتجه إلي ذلك بتوفيقه للبعد عن المعصية ، أو مغفرتها له بالتوبة ، والله سميع لكل قول ، عليم بكل شيء ، ومجازيكم عليه .
ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن اتباع خطوات الشيطان ، فقال : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشيطان فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشآء والمنكر . . . } .
والخطوات : جمع خطوة . وهى فى الأصل تطلق على ما بين القدمين . والمراد بها هنا : طرقه ومسالكه ووساوسه ، التى منها الإصغاء إلى حديث الإفك ، والخوض فيه .
وما يشبه ذلك من الأقوال الباطلة ، والأفعال القبيحة .
أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، احذروا أن تسلكوا المسالك التى يغريكم بسلوكها الشيطان ، فإن الشيطان وظيفتها الإغراء بالشر لا بالخير ، والأمر بالفحشاء والمنكر ، وليس بالفضائل والمعروف .
وجواب الشرط فى قوله : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشيطان } محذوف ، والتقدير : ومن يتبع خطوات الشيطان يقع فى الضلال والعصيان ، فإن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر .
وخاطبهم - سبحانه - بصفة الإيمان ، لتحريك قوة الإيمان فى قلوبهم ، ولتهييجهم على الاستجابة لما أرشدهم إليه - سبحانه - .
وقوله - سبحانه - { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً . . . } بيان لمظاهر فضله - تعالى - ولطفه بعباده المؤمنين .
والمراد بالتزكية هنا : التطهير من أرجاس الشرك ، ومن الفسوق والعصيان .
أى : ولولا فضل الله عليكم - أيها المؤمنون - ورحمته بكم - ما طهر أحد منكم من دنس الذنوب والمعاصى طول حياته ، ولكن الله - تعال - بفضله ورحمته يطهر من يشاء تطهيره من الأرجاس والأنجاس . بأن يقبل توبته . ويغسل حوبته .
" والله " - تعالى - " سميع " لدعاء عباده ومناجاتهم إياه " عليم " بما يسرونه وما يعلنونه من أقوال وأفعال .
فإذا تمثلوا أن ذلك الشر العظيم كان وشيكا أن يصيبهم جميعا ، لولا فضل الله ورحمته ، صور لهم عملهم بأنه اتباع لخطوات الشيطان . وما كان لهم أن يتبعوا خطوات عدوهم وعدو أبيهم من قديم . وحذرهم ما يقودهم الشيطان إليه من مثل هذا الشر المستطير :
يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ؛ ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر . ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ؛ ولكن الله يزكي من يشاء ، والله سميع عليم . .
وإنها لصورة مستنكرة أن يخطو الشيطان فيتبع المؤمنون خطاه ، وهم أجدر الناس أن ينفروا من الشيطان وأن يسلكوا طريقا غير طريقه المشؤوم ! صورة مستنكرة ينفر منها طبع المؤمن ، ويرتجف لها وجدانه ، ويقشعر لها خياله ! ورسم هذه الصورة ومواجهة المؤمنين بها يثير في نفوسهم اليقظة والحذر والحساسية :
( ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) . . وحديث الإفك نموذج من هذا المنكر الذي قاد إليه المؤمنين الذين خاضوا فيه . وهو نموذج منفر شنيع .
وإن الإنسان لضعيف ، معرض للنزعات ، عرضة للتلوث . إلا أن يدركه فضل الله ورحمته . حين يتجه إلى الله ، ويسير على نهجه .
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا . ولكن الله يزكي من يشاء . .
فنور الله الذي يشرق في القلب يطهره ويزكيه . ولولا فضل الله ورحمته لم يزك من أحد ولم يتطهر . والله يسمع ويعلم ، فيزكي من يستحق التزكية ، ويطهر من يعلم فيه الخير والاستعداد ( والله سميع عليم ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ وَمَن يَتّبِعْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ فَإِنّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلََكِنّ اللّهَ يُزَكّي مَن يَشَآءُ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، لا تسلكوا سبيل الشيطان وطرقه ولا تقتفوا آثاره ، بإشاعتكم الفاحشة في الذين آمنوا وإذا عتكموها فيهم وروايتكم ذلك عمن جاء به ، فإن الشيطان يأمر بالفحشاء وهي الزنا والمنكر من القول .
وقد بيّنا معنى الخطوات والفحشاء فيما مضى بشواهد ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلََكِنّ اللّهَ يُزَكّي مَن يَشَآءُ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
يقول تعالى ذكره : ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته لكم ، ما تَطَهّر منكم من أحد أبدا من دنس ذنوبه وشركه ، ولكن الله يطهّر من يشاء من خلقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا يقول : ما اهتدى منكم من الخلائق لشيء من الخير ينفع به نفسه ، ولم يتق شيئا من الشرّ يدفعه عن نفسه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا قال : ما زكى : ما أسلم . وقال : كلّ شيء في القرآن من «زكى » أو «تَزَكّي » فهو الإسلام .
وقوله : وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يقول : والله سميع لما تقولون بأفواهكم وتَلَقّوْنه بألسنتكم وغير ذلك من كلامكم ، عليم بذلك كله وبغيره من أموركم ، محيط به محصيه عليكم ، ليجازيَكم بكل ذلك .
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } بإشاعة الفاحشة ، وقرئ بفتح الطاء وقرأ نافع والبزي وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة بسكونها . { ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } بيان لعلة النهي عن اتباعه ، و " الفحشاء " ما أفرط قبحه ، و " المنكر " ما أنكره الشرع . { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها { ما زكى } ما طهر من دنسها { منكم من أحد أبدا } آخر الدهر . { ولكن الله يزكي من يشاء } بحمله على التوبة وقبولها . { والله سميع } لمقالهم . { عليم } بنياتهم .
هذا الخطاب عام لجميع المؤمنين ، و { خطوات } جمع خطوة وهي ما بين القدمين في المشي فكأن المعنى لا تمشوا في سبله وطرقه من الأفعال الخبيثة ، وقال منذر بن سعيد يجوز أَن يكون { خطوات } جمع خطأ من الخبيثة ، وسهلت الهمزة فنطق بها { خطوات } وقرأ بضم الطاء من «خُطوات » الجمهور ، وقرأ بسكونها عاصم{[8644]} والأعمش ، وقرأ الجمهور «ما زكى » ، بتخفيف الكاف أَي ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رشداً ، وقرأ أبو حيوة والحسن «زكّى » بشد الكاف أي تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالهم وتحرزكم من المعاصي ، ثم ذكر تعالى أنه { يزكي من يشاء } ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبق السعادة له ، ثم أخبر بأنه { سميع } لجميع أقوالهم وكلامهم من قذف وغيره ، { عليم } بحق ذلك من باطله لا يجوز عليه في ذلك وهم ولا غلط .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا تسلكوا سبيل الشيطان وطرقه ولا تقتفوا آثاره، بإشاعتكم الفاحشة في الذين آمنوا وإذاعتكموها فيهم وروايتكم ذلك عمن جاء به، فإن الشيطان يأمر بالفحشاء، وهي الزنا والمنكر من القول...
وقوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنّ اللّهَ يُزَكّي مَن يَشَآءُ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، يقول تعالى ذكره: ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته لكم، ما تَطَهّر منكم من أحد أبدا من دنس ذنوبه وشركه، ولكن الله يطهّر من يشاء من خلقه...
عن ابن عباس، قوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا يقول: ما اهتدى منكم من الخلائق لشيء من الخير ينفع به نفسه، ولم يتق شيئا من الشرّ يدفعه عن نفسه...
قال ابن زيد، في قوله:"وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا" قال: ما زكى: ما أسلم. وقال: كلّ شيء في القرآن من «زكى» أو «تَزَكّي» فهو الإسلام.
وقوله: "وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "يقول: والله سميع لما تقولون بأفواهكم وتَلَقّوْنه بألسنتكم وغير ذلك من كلامكم، عليم بذلك كله وبغيره من أموركم، محيط به محصيه عليكم، ليجازيَكم بكل ذلك.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لا تتبعوا الشيطان بموافقته فيما يدعو إليه...
ثم قال تعالى:"ولو لا فضل الله عليكم ورحمته" بأن يلطف لكم، ويزجركم عن ارتكاب المعاصي "ما زكى منكم من أحدا ابدا"... والمعنى ما فعل أحد منكم الأفعال الجميلة إلا بلطف من جهته أو وعيد من قبله...وفى ذلك دلالة على أن أحدا لا يصلح في دينه إلا بلطف الله عز وجل...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ولولا أنّ الله تفضل عليكم بالتوبة الممحصة، لما طهر منكم أحد آخر الدهر من دنس إثم الإفك، ولكن الله يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا محضوها، وهو {سَمِيعُ} لقولهم {عَلِيمٌ} بضمائرهم وإخلاصهم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذا الخطاب عام لجميع المؤمنين، و {خطوات} جمع خطوة وهي ما بين القدمين في المشي فكأن المعنى لا تمشوا في سبله وطرقه من الأفعال الخبيثة، وقال منذر بن سعيد يجوز أَن يكون {خطوات} جمع خطأ من الخبيثة، وسهلت الهمزة فنطق بها {خطوات} وقرأ بضم الطاء من «خُطوات» الجمهور، وقرأ بسكونها عاصم والأعمش، وقرأ الجمهور «ما زكى»، بتخفيف الكاف، أَي: ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رشداً، وقرأ أبو حيوة والحسن «زكّى» بشد الكاف أي تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالهم وتحرزكم من المعاصي، ثم ذكر تعالى أنه {يزكي من يشاء} ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبق السعادة له، ثم أخبر بأنه {سميع} لجميع أقوالهم وكلامهم من قذف وغيره، {عليم} بحق ذلك من باطله لا يجوز عليه في ذلك وهم ولا غلط.
والمعنى لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في الإصغاء إلى الإفك والتلقي له وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، والله تعالى وإن خص بذلك المؤمنين فهو نهي لكل المكلفين...
{ومن يتبع خطوات الشيطان} وظاهر ذلك أنهم لم يتبعوه، ولو كان المراد به الكفار لكانوا قد اتبعوه، فكأنه سبحانه لما بين ما على أهل الإفك من الوعيد أدب المؤمنين أيضا، بأن خصهم بالذكر ليتشددوا في ترك المعصية، لئلا يكون حالهم كحال أهل الإفك والفحشاء والفاحشة ما أفرط قبحه، والمنكر ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه...
أما قوله: {والله سميع عليم} فالمراد أنه يسمع أقوالكم في القذف وأقوالكم في إثبات البراءة، عليم بما في قلوبكم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهيتها، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} يعني: طرائقه ومسالكه وما يأمر به، {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}: هذا تنفير وتحذير من ذلك، بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها...
{خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}: عمله...كل معصية فهي من خطوات الشيطان...
{وَاللَّهُ سَمِيعٌ} أي: سميع لأقوال عباده {عليم} بهم، مَنْ يستحق منهم الهدى والضلال.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فإنه} أي الشيطان {يأمر بالفحشاء} وهي ما أغرق في القبح {والمنكر} وهو ما لم يجوزه الشرع.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذه الآية نزلت بعد العشر الآيات المتقدمة، فالجملة استئناف ابتدائي، ووقوعه عقب الآيات العشر التي في قضية الإفك مشير إلى أن ما تضمنته تلك الآيات من المناهي وظنون السوء ومحبة شيوع الفاحشة كله من وساوس الشيطان، فشبه حال فاعلها في كونه متلبساً بوسوسة الشيطان بهيئة الشيطان يمشي والعامل بأمره يتبع خطى ذلك الشيطان. ففي قوله: {لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان} تمثيل مبني على تشبيه حالة محسوسة بحالة معقولة إذ لا يعرف السامعون للشيطان خطوات حتى ينهوا على اتباعها. وفيه تشبيه وسوسة الشيطان في نفوس الذين جاءوا بالإفك بالمشي...فمن يتبع خطوات الشيطان يقع في الفحشاء والمنكر لأنه من أفراد العموم. والفحشاء: كل فعل أو قول قبيح...والمنكر: ما تنكره الشريعة وينكره أهل الخير... {ولولا فضل الله عليكم} الآية، أي لولا فضله بأن هداكم إلى الخير ورحمته بالمغفرة عند التوبة ما كان أحد من الناس زاكياً لأن فتنة الشيطان فتنة عظيمة لا يكاد يسلم منها الناس لولا إرشاد الدين...
{والله سميع عليم}... أي سميع لمن يشيع الفاحشة، عليم بما في نفسه من محبّة إشاعتها، وسميع لمن ينكر على ذلك، عليم لما في نفسه من كراهة ذلك فيجازي كلاً على عمله.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الزكاة تطلق بمعنى التنمية، وتطلق بمعنى الطهارة، وهنا بمعنى تزكية العقول في النفس، وامتلائها طهرا، وعفافا وإيمانا، أي أنه لولا فضل الله تعالى بالموعظة والهداية وتربية النفوس بالتقوى ورحمته بهدايتكم وقبولكم للحق وتجنبكم مخاوف الشيطان ما طهر منكم من أحد أبدا...وذلك لأن الشيطان يأتي النفوس من قبل أهوائها وشهواتها، وشهوات النفس حلوة، ولكنها وبيئة، ولكن الله تعالى لا يترك عباده جميعا تحت غواية الشيطان الرجيم، فهو يجتبي من عباده من يزكيه ويطهره في قلبه ولسانه ونفسه.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
بعد أن عالج كتاب الله في الربع الماضي قصة الإفك والبهتان العظيم التي لفقها المنافقون، وألقى عليها وعلى بواعثها وانعكاساتها ونتائجها الأضواء الكاشفة، وحذر عامة المؤمنين من الوقوع في شرك الإشاعات الباطلة كيفما كان مصدرها...وجه إليهم الخطاب مرة أخرى في بداية هذا الربع، محذرا إياهم في هذا الموقف وجميع المواقف، من الانقياد للشيطان والسير في ركابه واتباع خطواته...وبين كتاب الله أن صلاح الصالحين وتقوى المتقين من عباده المؤمنين، لا يتم لأحد منهم على الوجه الأكمل، إلا بتوفيق الله ومعونته، وفضله ورحمته.
{يا أيها الذين آمنوا} نداء: يا من آمنتم بإله كأنه يقول: تنبهوا إلى شرف إيمانكم به، وابتعدوا عما يضعف هذا الإيمان، أو يفت في عضد المؤمنين بأي وسيلة، وتأكدوا أن الشيطان له خطوات متعددة. {لا تتبعوا خطوات الشيطان} فإن وسوس لك من جهة، فتأبيت عليه ووجد عندك صلابة في هذه الناحية وجهك إلى ناحية أخرى، وزين لك من باب آخر، وهكذا يظل بك عدوك إلى أن يوقعك، فهو يعلم أن لكل إنسان نقطة ضعف في تكوينه، فيظل يحاوره إلى أن يصل إلى هذه النقطة.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً}، لأن الشيطان يملك من وسائل الإغراء والإغواء ما يدفع الإنسان إلى السقوط تحت تأثيرها، في ما يحرك به غرائز الإنسان وشهواته، وفي ما يثير به أطماعه وطموحاته ونوازعه الذاتية المنحرفة. {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ} بما يفيض عليهم من لطفه، وبما يفتحه عليهم من أفكار الخير ومشاعر الإيمان، وبما يدلّهم عليه من سبل الهدى والاستقامة في الحياة {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يسمع لمن سأله التزكية، ويعلم من كان متطلعاً إليها مستعداً لها.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
على الرغم من عدم متابعة هذه الآيات حديث الإفك بصراحة، إلاّ إنّها تعتبر مكملة لمضمون ذلك البحث، وتحذّر المؤمنين جميعاً من تأثير الأفكار الشيطانية التي تبدو أوّلا في صورة باهتة، فلابدّ من الانتباه إليها...وإذا فسّرنا الشيطان بأنه كل مخلوق مؤذ وفاسد ومخرّب، يتّضح لنا شمولية هذا التحذير لأبعادِ حياتنا كلها، وحيث لا يمكن جرّ أي إنسان مؤمن متطهر مرّة واحدة إلى الفساد، فإنّ ذلك يتمّ خطوة بعد أُخرى في طريق الفساد:
الخطوة الأُولى: مرافقة الملوثين والمنحرفين.
الخطوة الثّانية: المشاركة في مجالسهم.
الخطوة الثّالثة: التفكير بارتكاب الذنوب.
الخطوة الرّابعة: ارتكاب الأعمال المشتبه بها.
الخطوة الخامسة: ارتكاب الذنوب الصغيرة. وأخيراً الابتلاء بالكبائر. وكأنّ الإنسان في هذه المرحلة يسلّم نفسه لمجرم ليقوده نحو الهاوية، أجل هذه خطوات الشيطان..
(ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكّي من يشاء والله سميع عليم). ولا شك في أنّ الفضل والرحمة الإلهية ينقذان الإنسان من الانحطاط والانحراف من الذنوب جميعاً، فالله منحه العَقْلَ، ولطف به فأرسل إليهِ الرُّسُلَ، وَيسَّرَ له سُبُلَ الارتقاء والاهتداء، وأعانَهُ على استكمالِ الخَيْرِ...