المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

9- وإن من طبيعة الإنسان أن تستغرق نفسه الحالُ التي يكون عليها ، فإذا أعطيناه بعض النعم رحمة منا كالصحة والسعة في الرزق ، ثم نزعنا بعد ذلك هذه النعمة لحكمة منا ، أسرفَ في يأسه من عودة هذه النعمة إليه ، وأسرف في كفره بالنعم الأخرى التي لا يزال يتمتع بها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

ثم بين - سبحانه - جانبا من طبيعة بنى آدم إلا من عصم الله فقال - تعالى - { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ . . . }

والمراد بالإِنسان هنا الجنس على أرجح الأقوال ، فيشمل المسلم وغيره ، بدليل الاستثناء الآتى بعد ذلك فى قوله { إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات }

قال الفخر الرازى ما ملخصه : المراد بالإِنسان هنا مطلق الإِنسان يدل عليه وجوه :

الأول : أنه - تعالى - استثنى منه قوله { إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } والاسثتناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل ، فثبت أن الإِنسان المذكور فى هذه الآية داخل فيه المؤمن والكافر .

الثانى : أن هذه الآية موافقة على هذا التقرير لقوله - سبحانه - : { والعصر . إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ . إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات . . . } الثالث : أن مزاج الإِنسان مجبول على الضعف والعجز . قال ابن جريج فى تفسير هذه الآية : " يا بن آدم إذا نزلت بك نعمة من الله فأنت كفور ، فإذا نزعت منك فيؤوس قنوط " .

وقيل المراد بالإنسان هنا جنس الكفار فقط ، لأن هذه الأوصاف تناسبهم وحدهم .

والمراد بالرحمة هنا : رحمة الدنيا ، وأطلقت على أثرها وهو النعمة كالصحة والغنى والأمان وما يشبه ذلك من ألوان النعم .

واليؤوس والكفور : صيغتا مبالغة للشخص الكثير اليأس ، والكفر ، والقنوط : الشديد الجحود لنعم الله - تعالى - يقال : يئس من الشئ ييأس ، إذا قنط منه .

والمعنى : ولئن منحنا الإِنسان - بفضلنا وكرمنا - بعض نعمنا ، كالصحة والغنى والسلطان والأمان { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } أى : ثم سلبناها منه ، لأن حكمتنا تقتضى ذلك .

{ إنه } فى هذه الحالة { لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } أى : لشديد اليأس والقنومن من أن يرجع إليه ما سلب منه أو مثله ، ولكثير الكفران والجحود لما سبق أن تقلب فيه من نعم ومنن .

قال الشوكانى : وفى التعبير بالذوق ما يدل على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة ينعم الله بها عليه : " لأن الإِذاعة والذوق أقل ما يوجد به الطعم " .

وفى قوله : " ثم نزعناها منه " إشارة إلى شدة تعلقه بهذه النعم ، وحرصه على بقائها معه .

وجملة { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } جواب القسم ، وأكدت بإن وباللام ، لقصد تحقيق مضمونها ، وأنه حقيقة ثابتة .

وهى تصوير بليغ صادق لما يعترى نفس هذا الإِنسان عندما تسلب منه النعمة بعد أن ذاقها - فهو - لقلة إيمانه وضعف ثقته بربه - قد فقد كل أمل فى عودة هذه النعمة إليه ، ولكأن هذه النعمة التى سلبت منه لم يرها قبل ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

1

وبمناسبة استعجال العذاب يجول السياق جولة في نفس هذا المخلوق الإنساني العجيب ، الذي لا يثبت ولا يستقيم إلا بالإيمان :

( ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور ، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن : ذهب السيئات عني ، إنه لفرح فخور . إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ، أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) . .

إنها صورة صادقة لهذا الإنسان العجول القاصر ، الذي يعيش في لحظته الحاضرة ، ويطغى عليه ما يلابسه ؛ فلا يتذكر ما مضى ولا يفكر فيما يلي . فهو يؤوس من الخير ، كفور بالنعمة بمجرد أن تنزع منه . مع أنها كانت هبة من الله له .