تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (79)

ثم نعت المنافقين ، فقال : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات } ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالصدقة وهو يريد غزاة تبوك ، وهى غزاة العسرة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف الزهري بأربعة آلاف درهم ، كل درهم مثقال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أكثرت يا عبد الرحمن بن عوف ، هل تركت لأهلك شيئا ؟" قال : يا رسول الله ، ما لي ثمانية آلاف ، أما أربعة آلاف فأقرضتها ربى ، وأما أربعة آلاف الأخرى ، فأمسكتها لنفسي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت" ، فبارك الله في مال عبد الرحمن ، حتى أنه يوم مات بلغ ثمن ماله لامرأتيه ثمانين ومائة ألف ، لكل امرأة تسعون ألفا .

وجاء عاصم بن عدي الأنصاري ، من بنى عمرو بن عوف بسبعين وسقا من تمر ، وهو حمل بعير ، فنثره في الصدقة ، واعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قلته ، وجاء أبو عقيل بن قيس الأنصاري ، من بنى عمرو ، بصاع فنثره في الصدقة ، فقال : يا نبي الله ، بت ليلتي أعمل في النخل أجر بالجرين على صاعين ، فصاع أقرته ربى ، وصاع تركته لأهلي ، فأحببت أن يكون لي نصيب في الصدقة ، ونفر من المنافقين جلوس ، فمن جاء بشيء كثير ، قالوا : مراء ، ومن جاء بقليل ، قالوا : كان هذا أفقر إلى ماله ، وقالوا لعبد الرحمن وعاصم : ما أنفقتم إلا رياء وسمعة ، وقالوا لأبى عقيل : لقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبى عقيل .

فسخروا وضحكوا منهم ، فأنزل الله عز وجل : { الذسن يلمزون } ، يعني يطعنون ، يعني معتب بن قيس ، وحكيم بن زيد ، { المطوعين من المؤمنين في الصدقات } ، يعني عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم ، { والذين لا يجدون إلا جهدهم } ، يعنى أبا عقيل ، { فيسخرون منهم } ، يعنى من المؤمنين ، { سخر الله منهم } ، يعنى سخر الله من المنافقين في الآخرة ، { ولهم عذاب أليم } [ آية :79 ] ، يعنى وجيع ، نظيرها : { إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم } [ هود :38 ] يعنى سخر الله من المنافقين .