فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (79)

{ الذين يلزمون } أي يعيبون وقال قتادة يطعنون { المطوّعين } أي المتطوعين والتطوع التبرع والتنفل بما ليس بواجب { من المؤمنين في الصدقات } والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوعوا بشيء من أموالهم وأخرجوه للصدقة فكانوا يقولون ما أغنى الله عن هذا ويقولون ما فعلوا هذا إلا رياء ولم يكن لله خالصا .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا مراء ، وجاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون : إن الله لغني عن صدقة هذا فنزلت هذا الآية ، وفي الباب روايات كثيرة .

{ والذين لا يجدون إلا جهدهم } بالضم الطاقة وهي لغة أهل الحجاز وبالفتح لغيرهم وهي المشتقة ، وقيل هما لغتان ومعناهما واحد ، وفي القرطبي : الجهد شيء يسير يعيش به المقل ، وقد تقدم بيان ذلك ، والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون المؤمنين الذين كانوا يتصدقون بما فضل عن كفايتهم .

{ فيسخرون منهم } أي يستهزئون بهم لحقارة ما يخرجونه في الصدقة مع كون ذلك جهد المقل وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه ، يقال سخرت منه سخرا من باب تعب هزئت به ، والسخري بالكسراسم منه وبالضم لغة فيه ، والسخرة وزان غرفة ما سخرت من خادم أو جارية أو دابة بلا أجر ولا ثمن ، والسخري بالضم بمعناه وسخرته في العمل بالتثقيل استعملته مجانا ، وسخر الله الإبل ذللها وسهلها ومنه سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .

{ سخر الله منهم } أي جازاهم على ما فعلوه من السخرية بالمؤمنين بمثل ذلك فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم ، والتعبير بذلك من باب المشاكلة كما في غيره ، وقيل هو دعاء بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمسلمين { ولهم عذاب أليم } أي ثابت مستمر شديد الألم في الآخرة .